اعتدال حرمت من أولادها ففقدت عقلها

غزة_CMC_آية جودة

يغزو الشيب رأسها مبكراً فتمشطه دون اكتراث بما أصابها، تبتسم تارة وتعبس تارة أخرى، تقلب بصرها يميناً ويساراً دون أدنى اهتمام بالجالسين حولها، اعتدال امرأة خمسينية اجتمع في تجاعيد وجهها بؤس الحصار الاسرائيلي، الذي كان السبب الرئيسي في تعرضها للعنف على يد أقرب الناس لها حتى فقدت عقلها بعد طلاقها وحرمانها من رؤية أبناءها وبناتها.

ويعد الحصار والوضع الاقتصادي المتردي أحد الأسباب الرئيسية في زيادة نسبة تعنيف المرأة في قطاع غزة، بسبب ارتفاع نسب البطالة والعاطلين عن العمل، الأمر الذي أدى إلى التفريغ النفسي لكثير من الرجال في أمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم وبناتهم، حيث ارتفعت نسبة البطالة بالقطاع إلى 44%، حسب آخر احصائية لجهاز الاحصاء المركزي، جزء كبير منهم كانوا يعملون داخل الخط الأخضر وحرموا من استكمال أعمالهم بسبب الحصار وسحب التصاريح منهم.

كانت اعتدال مثل غيرها من النساء تزوجت من رجل يعمل داخل الخط الأخضر وأنجبوا الأبناء والبنات، إلى حين فرض الاغلاق على قطاع غزة الأمر الذي جعل من زوجها عاطل عن العمل، وبسبب الظروف السيئة التي يمر بها قطاع غزة فلم يجد له عملاً آخر لينضم إلى صفوف البطالة والعاطلين عن العمل، الأمر الذي جعله يرى أسرته عبئاً كبيراً يقع على عاتقه فلم يجد طريقة أخرى سوى ضرب وتعنيف زوجته حتى قرر التخلص من وجودها في حياته غير مكترث بمشاعرها وتأثير فعلته على نفسيتها.

وتروي عائشة تفاصيل قصة شقيقتها اعتدال، وتقول “كانت حياة أختي حياة سعيدة وهادئة، إلى أن فقد زوجها عمله داخل أراضي الـ48، فانقلبت حياتها رأساً على عقب، وأصبح زوجها عنيف جداً في تعامله معها ومع أبناءه، فكان يضربها ويوجه لها الشتائم والمسبات لأتفه الأسباب”.

توجهت اعتدال بالشكوى لأهلها وأسرتها عدة مرات طالبة منهم التدخل، فهي تريد أن يعامل كما في السابق ويحترم انسانيتها، وتتابع شقيقتها الحديث وتقول “كانت نصيحة أهلي الدائمة لها، وكلما توجهت إلهم لطلب المساعدة، أن تصبر وتحتمل عنفه من أجل أطفالها، مبررين بأن الحياة صعبة وما يمر به زوجها صعب وعليها أن تتحمل وتصبر”.

حاولت اعتدال الصبر كثيراً على زوجها وعلى أفعاله التي يرفضها أي انسان عاقل، إلا أن صبرها لم يشفع لها عند زوجها حتى قرر الخلاص من وجودها في حياته وحياة أبناءه، فتضيف عائشة “استمرت أختي بالصبر على زوجها حتى قرر فجأة نيته بطلاقها، وبالفعل طلقها دون أن يسألها عن رأيها أو رغبتها، وبعدما طلقها، حرمها من رؤية أولادها، الأمر الذي أدى لسوء حالتها النفسية فلم تحتمل الصدمة حتى فقدت عقلها ولم تعد تعرف أحد من حولها”.

الأخصائية النفسية في المركز الفلسطيني لحل النزاعات سابقا أسماء سعيد، أكدت على ضرورة وعي الأهل لأهمية التفريغ النفسي، ودور جلسات الإرشاد النفسي في احتواء المرأة المعنفة، وإشعارها بالأمان حتى لا يتفاقم الأمر، ويكون ذلك من خلال تحديد درجة العنف وآثاره الجسدية والنفسية وتقييم الأعراض النفسية التي ظهرت بعد التعرض للتعنيف وعلاج مسببات العنف.

أما ابنة اعتدال والتي حُرمت من وجود وحنان أمها منذ الصغر، تحبس دموعها في عينيها وتقول “قسوة والدي مع والدتي ومعي أنا وأخوتي منذ أن كنا أطفالاً، وظروفنا السيئة التي عانى والدي بسببها، حرمتنا أنا وأخوتي من وجود أمي بجانبنا في غالبية مراحل حياتنا، حتى في مناسباتنا كالزواج مثلاً لم تستطع أمي الحضور”.

تصمت ابنتها قليلاً، ثم تقلب بيدها ألبوم صور زواجها، وتتابع “تمنيت كأي فتاة أن تكون والدتي بجانبي في ليلة زفافي، وأن تنصحني كأي فتاة مقبلة على الزواج، لكن هذا لم يحدث فأمي الآن لا تعرفني، ألجأ لها ولزياراتها كثيراً رغم يقيني أنها لن تجيبني، أحادثها فتصرخ في وجهي أحياناً وتكتفي بالابتسام في أحيان أخرى”.

أكثر من عشرة سنوات مضت على طلاق اعتدال من زوجها وحرمانها من رؤية ابناءها، كانت نفسيتها مدمرة بشكل كامل إلا أنها تتمتع بكامل قواها العقلية، لم تستطع الصمود طويلاً حتى فقدت عقلها بسبب استمرار صعوبة أوضاعها وما تعانيه من كبت نفسي على مدار تلك السنوات، وهي الآن تستطيع رؤيتهم بعد طول انتظار ولكنها لا تستطيع التعرف على أي منهم بسبب ما أصابها.

** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى