الديموغرافيا وخصوبة المرأة الفلسطينية: عناوين لنقاش اسرائيلي ساخن
في هذه الأيام يحتدم نقاش كبير في اسرائيل حول ديمغرافيا السكان في الضفة، وحول نسبة خصوبة المرأة الفلسطينية بين المستوطنون وأنصارهم الذين يفبركون معطيات ديموغرافية تقلل الى حد كبير عدد الفلسطينيين في الضفة، لتسويغ اعتراضهم على حل الدولتين وتبرير دعوتهم للضم وبين من يرى في استمرار الوضع الراهن خطر يهدد بانفجار القنبلة الديمغرافية التي ستهدد يهودية الدولة، وتحول الوجود اليهودي بين البحر والنهر الى أقلية، وذلك لتسويغ الدعوة للانفصال عبر صيغ ومقترحات سياسية.
يدّعى الفريق الأول أن الخطر الديمغرافي هو مجرد فزاعة يطلقها ويستخدمها اليساريون لتبرير ما يسمونه التنازل عن أرض الآباء لصالح “مجموعة سكانية عربية”، وهي حسب ادعاؤهم كتلة بشرية صغيرة الحجم لا تتجاوز المليون وخمسمائة ألف نسمة، وهي تعتقد أن من الأفضل لإسرائيل احتوائها عبر الضم والتجنيس، الأمر الذي سيمنح اسرائيل السيادة على مساحة أراضي الضفة الكبيرة، والذي سينهى المشاكل الأمنية التي تواجهها إسرائيل.
وفى إطار برهنتهم على صدقية احصاءاتهم يستندون الى معطيات مؤسسة احصائية يمينية تسمى “الفريق الاسرائيلي الأمريكي للديموغرافيا”، وهذا الفريق ينشط منذ سنوات ويتزعمه المستوطن يورام اتنغر، يهتم بتقديم أرقام احصائية مزيفة تقلل الى حد كبير حجم الوجود الفلسطيني في الضفة، في محاولة منه للتأثير على التوجهات السياسية الاسرائيلية والامريكية بما يخدم محاولات شطب مشروع حل الدولتين باعتباره الاولوية والحل الوحيد الأمثل للصراع.
الفريق الأمريكي الاسرائيلي للديموغرافيا يهتم بأن يقدم أرقامه الاحصائية بشكل يبدو مقنعاً وأكاديمياً عبر تزييف المعطيات الفرعية التي تؤدي الى نتائج اجمالية كاذبة وغير حقيقية، ومن بين ذلك يدعى ان خصوبة المرأة الفلسطينية أصبحت أقل من المرأة اليهودية، أي أن نسبة المواليد الفلسطينيين مستقبلاً ستكون أقل من المواليد اليهود، وان عدد الوفيات بين الفلسطينيين أكثر منه بين اليهود، كما يدعى أن عدد المهاجرين الفلسطينيين من الضفة سنويا يبلغ من 60- 80 ألف، وهو يستثني سكان القدس الفلسطينيين من احصاءاته، ويدعي أن إحصاء السكان الذي تجريه السلطة الفلسطينية لا يتمتع بالمصداقية وينطوي على أهداف سياسية.
ان التيار الصهيوني الذى يطالب بضم الضفة وفرض القانون الاسرائيلي عليها أو أقله على ما يسمى بأراضي المنطقة “ج” الأقل كثافة سكانية يعيد طرح أفكار الليكود القديمة، وهو يبدو اليوم أكثر اتساعاً وحضوراً في المشهد السياسي الإسرائيلي، ولم يعد من وقت تياراً هامشياً مقصوراً على المستوطنين، وتشهد بذلك زعامة الليكود التي تنتمى اليوم فكراً وثقافة وسياسة الى ائتلاف يعارض فكرة حل الدولتين ويطالب بفرض السيادة الاسرائيلية على مناطق واسعة في الضفة، عضوة الكنيست ونائبة وزير المواصلات حوطوبلي تعلن موافقتها على فرض الجنسية على سكان نابلس، وسبقها في ذلك وزير حربهم الأسبق موشيه ارنس ويعلون يقول انه لا يرى في الفلسطينيين مشكلة سكانية، وهم يرون ان استمرار الوضع القائم ليس سيئاً، فالوقت والديمغرافيا من وجهة نظرهم يعمل لصالح إسرائيل.
ومن الجانب الآخر؛ فإن الفريق المسكون بهاجس الخطر الديموغرافي لا يرى في الفلسطينيين سوى قنبلة ديموغرافية مهددة لوجوده في حال استمرار الوضع الراهن، ويرغب بالتخلص منها والقائها بعيداً، وحل الدولتين هو الطريق الوحيد لذلك، والدولة الفلسطينية من وجهة نظر الغالبية العظمى المطالبة بحل الدولتين ليست سوى غيتو محاط بأسوار احتلالية تحميهم خطر الرحم الفلسطيني تحاصره في مناطق كثافته، وتبقى في أيديهم متسعاً من الأرض توفر لهم حاجتهم في التمدد والنمو والأمن والاستقرار وتخلصهم من ثمن الاحتلال.
ان النقاش المستعر بين الفريقين لا يشبه ولا يقترب من أي نقاش حضاري حول عدم اخلاقية الاحتلال وظلمه وقهره، أو حول حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فهو يتمحور حول طرق وآليات التخلص من الخطر الفلسطيني بأقل الأثمان سواء بالضم أو الانفصال، ولا ينظرون للفلسطينيين باعتبارهم شعباً بل باعتبارهم مجموعة عرقية عربية تستوطن أرض “يهودا والسامرة”، وبالتالي فحلولهم لا تربط هذه المجموعة ببقية الشعب الفلسطيني سواء في غزه أو الشتات أو الـ 48، وتنفي عنهم حق تقرير المصير والسيادة والحرية، وتتعاطى معهم بلغة الاملاءات العنصرية الاستعلائية، فليس أكثر استعلائية من أن يتم نقاش مصير شعب دون الاكتراث لمطالبة ونضاله وارادته، انها عوده لنفس الأيديولوجية الصهيونية العنصرية التي نظرت ووظفت الكثير من الدراسات المشبوهة بمساعدة الغرب الاستعماري، حيث أفضت آنذاك الى تجاهل شعب فلسطين وخلصت الى انها أرض بلا شعب، هي نفس الأيديولوجية ونفس التوظيف لرؤية الضفة جبال وهضاب وسهول بلا شعب، تنتظر الاستيطان والتطوير عبر الضم والاستيطان والترحيل، ترحيل وطرد السكان بوسائل الاكراه الناعم او البطشي السافر.
بيد أن الشعب الفلسطيني اليوم هو أكثر تمسكاً بأهدافه، وأقوى عزيمة واصراراً رغم كل الجراح وآلام الفرقة والانقسام، وبات كما قال الزعيم أبو عمار رقماً صعباً لا يمكن تجاهل ارادته وأهدافه، وليس بوسع أي كان أن يمرر من فوق راسه أية حلول تلتف على حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ليس لأن التاريخ وعقارب الساعة لا تدور للخلف، بل لأنه أصبح أكثر وعياً وتمسكاً بأهدافه ولأن الاحتلال بات أكثر ضعفاً وانكشافاً.