(خَضْرَة).. مسنةً تخوضُ الحرب بلا عائلة

(خَضْرَة).. مسنةً تخوضُ الحرب بلا عائلة

 

دير البلح- هبة أبو عقلين:

بينما توشكُ الشمسُ على المغيب، والرياحُ بدأت تهزّ الخيام، تجلس النازحة خضرة حمد (61 عامًا) أمام خيمتها المصنوعة من القماش المهترئ، بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تمسك بين يديها سماعة موصولة بهاتفها النقّال، تستمتع للأخبار لتسلّي وقتها بدلًا من البقاء وحيدة داخل الخيمة!

“توفّت أختي فاطمة خلال الحرب بسبب نقص الأكسجين، كانت تعيشُ برئةٍ واحدة، وبعدها بقيت وحيدة”، بهذه الكلمات شرحت السيدة خضرة سبب وجودها وحيدة في الخيمة، فشقيقتها التي توفت في مايو/ أيار 2024م، لم تتحمل أجواء المدينة المليئة بالبارود والأتربة والفسفور الناجمة عن مخلفات الاحتلال الإسرائيلي أثناء قصفه للمناطق المدنية، وأيضًا في ظلِ أزمةِ شُحّ المستلزمات الطبية في المستشفيات.

خضرة هي أرملة توفي زوجها قبل الحرب بعام بسبب مرض السرطان ولم تنجب أبناءً، فقد كان لديه أبناءٌ من زوجته الثانية، عاشت معهم بعد وفاته في بيتهم بحي النصر غرب مدينة غزة، كانت خضرة تعمل في مخازن وزارة التنمية الاجتماعية، لكنها توقفت قبل (6) سنوات ولم يعد لديها معيل، فزوجها كان في ذروةِ مرضِه، وبحاجة لأدويةٍ ومستلزمات خاصة، تصف حالها: “منذ ذلك الوقت وأنا مكسورة الجناح”.

عن آخر لحظاتها مع أختها تقول: “كنا نعيش سويًا، ونيستي وصديقتي، أتخيل كل ليلة وجودها معي، تحدثني وأردّ عليها، أنام ودموعي في عينيّ حزنًا عليها، لدي ستة أشقاء جميعهم كبار في السن، يمكثون في خيم يعيلها أولادهم، عشت معهم فترة وشعرت أنني عبءٌ عليهم، فانتقلت لخيمةٍ وحدي”.

بغصةٍ تسرد خضرة إنها تحت قصف الاحتلال الإسرائيلي، أُجبرت على النزوح من بيتها في مدينة غزة إلى بيت أختها في مخيم البريج وسط القطاع، ومع اشتداد القصف على المخيم الواقع بالمنطقة التي صنّفها الاحتلال (آمنة) اضطرت للنزوح.

تعقّب: “مع استمرار القصف اضطرت للنزوح مجددًا إلى خيمة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة برفقة فاطمة، لا يوجد مناطق آمنة كما زعم الاحتلال، فمخيم البريج تعرّض للكثير من القصف، واقتربت آلياتهم كثيرًا من منطقتنا”.

بحرقةٍ تروي السيدة كيف تعمل بنفسها على قضاء حوائجها رغم أنها مسنّة ليست قادرة على ذلك، تقول: “يوميًا ومنذ الصباح الباكر أشقّ طريقي نحو المخبز لشراء الخبز، أقف في طابور النساء أنتظر دوري، ثم أذهب للسوق وأشتري الأرخص ثمنًا، مثل المعلبات من فاصولياء وبازيلاء وفول، فلا قدرة لي على شراء شيء آخر بسبب الغلاء الشديد، وأحيانًا أذهب إلى طابور التكية للحصول على وجبة غداء، رغم أنها لا تختلف عن المعلبات، وهذا غير صحي لامرأة مريضة بعمري”.

بحزن تنظر حولها وهي تكمل: “هذا بالإضافة لانعدام مصدر الدخل واعتمادي على بعض المال من فاعلي الخير، فأنا مريضة بالضغط والسكر، ولديّ كسل في الغدة الدرقية وخشونة في الركبة ومشكلة في الأعصاب تجعلني لا أستطيع المشي إلا بعكاز”.

وقد أضر الحصار الإسرائيلي غير القانوني بكبار السن في قطاع غزة، الذين يضمن لهم القانون الدولي الإنساني احترامًا خاصة، وقد نصت المادة (138) من القانون الدولي الإنساني على أن يتمتع كبار السن والمعوقين والعجزة المتأثرين بنزاع مسلح باحترام خاص وحماية خاصة.

تتنهد بعمق وتكاد الدموع تنزل من عينيها، تتلعثم الحروف على شفتيها أثناء الحديث عن حياتها وكيفية إكمالها وحيدة، حتى بات البقاء على قيد الحياة في ظل هذه الظروف انتصارٌ يومي لها، ففي كل ليلة تعتقد إنها الأخيرة من شدّة آلامها النفسية التي تثقل قلبها وهي وحدية.

تكمل خضرة: “أبسط الحقوق هو الدواء لمرضى السكرى والضغط غير متواجد وغير متوفر بالعيادات أو المستشفيات وهذا ما يسبب خطورة على حياتي فهو وضع كارثي مع انقطاع الأدوية عني وعن كل المرضى الذين يعانون مثلي”.

رفعت خضرة رأسها ونظرت للسماء الملبّدة بالغيوم بحزن وهي تختم حديثها: “رغم الوحدة أحاول أن أبقى بخير وبنفسية أفضل لكن الحرب كل يوم تشتد، وتصبح أكثر تعقيدًا وتزيد من أحزاني”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى