نازحون يروون الحكاية

أفلامُ كرتونٍ مرسومةٌ بقصاصات المعاناة

دير البلح- فدوى عبد الله

في ممرٍ ضيق داخل مركز إيواء مدرسة شهداء دير البلح الثانوية، تفترشُ الشابة شهد أبو هاشم (18عامًا) الأرض بتركيز وإبداع، ترسم وتقص شخصيتها، خلال ورشة لصناعة رسوم الأفلام المتحركة، برفقة زميلاتها، يعملن بجدٍ ليوصلن رسالتهن من خلال شخصيات اخترنها بعناية.

شهد طالبة ثانوية عامة نازحةٌ من شمال مدينة غزة، بالألوان والمقص تصنع وتطوّر الشخصية التي اختارتها، طفلٌ يقوم بأدوارٍ عديدة خلال الحرب، لكن اللعب والتعليم ليس جزءًا منها، إلا أن مشاركتها في الورش أعانتها على التخلص من الضغط النفسي الذي تعيشه، بسبب حرمانها من المشاركة في امتحانات الثانوية التي تعقد في الوقت الحالي.

الأمم المتحدة عبرت عن الحق في التعليم في المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR)، “لكل إنسان حق غير قابل للنقض ومضمون في أن يكتسب، دون عقبات، المعارف والمهارات اللازمة لضمان حياة كريمة ومستقلة.”

أما هدى الوادية (21)، طالبةُ أدب لغة إنجليزية، والنازحة من مدينة غزة، تقول: “تعلّقنا بالشخصيات التي طوّرناها خلال الورشات واستبدلنا وقت فراغنا بعملٍ جميل، وإن انتهينا سنبقى نفكّر بالشخصيات وتطويرها، نرسمُ من جديد ونقص برفقة المدربات، أصبح لدينا خبرة جيدة بأنواع الورق والألوان والقص والتحريك”.

تتابع: “لا يوجد رابط بيني وبين الشخصية التي أصنعها ولكني أراها كثيرًا، سيدة تتدخل في شؤون جيرانها، كثيرة التنقل من غرفةٍ لغرفة، أردت أن تكون شخصية مضحكة ومسلية، لأوضح كيف تَتَابع حياة الأشخاص، خاصة أن هذه السيدات زادت خلال الحرب”.

يواصل فريقُ صنّاع أفلام الرسوم المتحركة، تنفيذ سلسلة من ورش صناعة رسوم الأفلام المتحركة داخل مراكز الإيواء في المحافظة الوسطى، مع الأطفال والسيدات والشباب، اخترن مشاركة مجتمعهن فن وعمل يوصلُ أصواتهن بأفلامٍ صنعنها بأنفسهن، لخلق علاقة مع الرسوم والألوان.

تقول حنين كراز، مدربة وصانعة أفلام رسوم متحركة (ستوب موشن) والنازحة من مدينة غزة: “تواصل معي طفل من طلابي السابقين، طلب مني تزويده بتطبيق (الستوب موشن)، والحضور لتنفيذ ورشة لأصدقائه في الخيمة، كان هذا الطفل محرك لي، تواصلت مع زميلاتي في الفريق ونزلنا للميدان وبحثنا في احتياجاتنا وقررنا العمل بداية كمتطوعات”.

أولى ورشات صناعة أفلام الكرتون في الحرب، كانت داخل مخيم العنان بدير البلح، أنتجَ خلالها الأطفال فيلم “طوابير”، مدّته دقيقة ونصف وصفوا حياتهم بعد النزوح، المتمثلة في طوابير على الماء والحمامات، والخبز، والطعام.

وبناءً على طلب الأمهات الراغبات بالتعبير عن ذواتهن، تم إنتاج فيلمي (قيد خيمة) و(خريفٌ أحمر)، يحكي الأول يوميات المرأة داخل الخيمة والأدوار التي تشغلها، وبالإضافة لفيلم طوابير هناك توجه لمشاركتهما في مهرجان العودة السينمائي، ومهرجان “أوتاوا الدولي” في كندا”، بينما يعمل الفريقُ حاليًا في مدرسة شهداء دير البلح مع سيدات لصناعة فيلم يوثق معاناتهم في الحصول على المياه.

بدورها تقول المدربة نور عبد الجواد إن رحلة صناعة الفيلم تبدأ بتحديد قضية الفيلم مع المجموعة، وبناء السرد القصصي وعمل لوحة “ستوري بورد” لبناء القصة ومن ثم رسم الشخصيات على الورق وقصّها، وحين تصبح جاهزة يتم صناعة الديكور والبدء بتحريكها وتصويرها بناءً على السيناريو، ثم تسجيل الأصوات بمشاركة نفس المجموعة وتدريبهم على صناعة الأصوات المختلفة بين الأب والأم والطفل، وإسقاط الصوت، وأخيرًا المونتاج.

تكمل نور:”بسبب إغلاق المعابر، نعمل بإمكانيات محدودة لعدم توفّر جميع الأدوات لورش صناعة الأفلام، نضطرُ للبحث في المكتبات لتوفير البدائل حتى لو بجودة أقل، فهذه الورش استهلاكية تحتاج كل ورشة لقرطاسية جديدة”.

أما المدربة شروق درويش وهي من مدينة دير البلح، كانت تعمل مدربة فنون في تركيا، وحضرت إلى قطاع غزة قبل الحرب بيومين لزيارة عائلتها، وجدت في عودتها لممارسة الفن مساعدة ودعم لنفسها وللناس في مراكز النزوح.

تقول شروق: “الشيء الأبرز هو إصرار النساء اللواتي يحضّرن الطعام على النار ولديهن الكثير من المهام التي فرضتها الحرب، لكن حرصن على وجود فسحةٍ من الوقت لصناعة فن سمعي وبصري ليرى الناس إنجازها”.

“ساعةٌ من الرسم أراحتني”، هكذا وصفت إحدى المشاركات حالتها بعد لقاءٍ مع الألوان، وتخيّل المشاركين ورسمهم لشخصيات وأحداث مضحكة، ليست موجودة ولكن يتخيّلنها، ويتمنون لو تكون معهم في طوابير الخبز والماء وداخل الخيمة، وهذه استجابة لتقنية العلاج بالفن الذي هو جزء من عمل الفريق.

فريق صانعات أفلام الرسوم المتحركة تشكّل عام 2019، بمشاركة المدربات الثلاث بمؤسسة أيام المسرح، لينطلقن بتنفيذ العديد من المبادرات.

وتتمنى حنين ونور وشروق أن تصل رسالة أفلامهن كل مكان في العالم، خاصةً أن أفلام الكرتون لديها القدرة على التأثير على الجميع وبمختلف الأعمار والجنسيات حول العالم.

نازحون يروون الحكاية عبر أفلامُ كرتونٍ مرسومةٌ بقصاصات المعاناة
نازحون يروون الحكاية عبر أفلامُ كرتونٍ مرسومةٌ بقصاصات المعاناة
نازحون يروون الحكاية عبر أفلامُ كرتونٍ مرسومةٌ بقصاصات المعاناة
نازحون يروون الحكاية عبر أفلامُ كرتونٍ مرسومةٌ بقصاصات المعاناة
نازحون يروون الحكاية عبر أفلامُ كرتونٍ مرسومةٌ بقصاصات المعاناة
نازحون يروون الحكاية عبر أفلامُ كرتونٍ مرسومةٌ بقصاصات المعاناة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى