مبادرةٌ لتعليم التصوير بالكاميرا.. (دينا) تنشر الأمل من وسط الآلام

دير البلح – فدوى عبد الله:

تلتقط الكاميرا وتتلفّت حولها باحثةً عن مشهدٍ يأسر عينيها، غيرَ مشاهد الدمار التي لازمتها منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة!

إنها الطفلة سارة شحتّو (13 عامًا) ترسم مشهدًا جديدًا للحياة في مخيّلتها داخل صورةٍ تلتقطها خلال تدريبٍ للتصوير الفوتغرافي، في مخيم العنان للنازحين، بمدينة دير البلح، وسط قطاع غزة.

في كلِ مرةٍ تلتقط سارة صورةً لشخصٍ أو مشهد طبيعي، تشعر إنها بحاجةٍ لاستكمال المشهد، تفكّر ماذا تحتاج الصورة لتصبح أجمل.

تقول: “في كل لقاء تدريبي أشعر بتحسّن كبير في صوري، خاصة بعد مضيِّ شهورٍ طويلةٍ من فقدان ملامح ذكرياتي في مدينة غزة التي نزحت منها منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي اندلعت يوم 7 أكتوبر 2023م”.

سارة هي واحدةٌ من المشارِكات في تدريب للتصوير، والذي يأتي ضمن مبادرةٍ للمصوّرة دينا كلّاب، لتدريب النساء والأطفال على التصوير الفوتغرافي، عبر تنفيذِ سلسلة تدريبات داخل مراكز الإيواء في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، بعد أن نجت بكاميرتين فقط، من مجموعة معدّات تصوير كانت تمتلكها داخل استوديو خاصٍ بها، قبل نزوحها هي أيضًا إلى جنوب القطاع.

التحقت سارة بالتدريب رفقة شقيقتيها، بينما تلحق والدتها بمجموعة أخرى مخصصة للسيدات، تقول: “ألتقط هذه الصور كي أشاهدها بعد العودة إلى منزلي بمدينة غزة، فأنا أوثّق هذه اللحظات”.

أما الشابة روان ماضي (25 عامًا) وهي محامية نازحة من مدينة غزة، وتشارك في تدريب خاصٍ بالنساء، تقول: “صوري التي كنت ألتقطها قبل الحرب، أحيت الكثير من الذكريات عن تفاصيل المكان والزمان، أحبّ التصوير جدًا، وأنا بحاجة للتعرّف على المهارات الأساسية في التصوير الفوتغرافي وتطويرها”.

تدور روان بالكاميرا، تلتقط صورةً لوردة تنبت من بين الركام، وأخرى توثّق فيها معاناة النزوح من طبخ على النار واصطفاف في الطوابير، وأخرى لأطفالٍ يلعبون بالطائرات الورقية.

تعدّ روان هذه المشاركة خطوة أولى بالنسبة لها، بعد شعورِها أن الصور التي تلتقطها تعبّر عن حالتها وتفرّغ طاقتها، وتطمح للمشاركة في مستويات متقدّمة من دورات التصوير الفوتغرافي واحترافه.

صاحبة فكرة المبادرة دينا كلّاب، النازحة من مدينة غزة، تقول: “لمعت الفكرة برأسي نتيجة رؤيتي للأطفال في المخيمات لا يتعلمون شيئًا، سوى أنه أصبح لكل شخص بسطة على باب الخيمة أو في السوق، إلى جانب فقدانهم حقهم في التعليم، وتحوّل المدارس إلى مراكز إيواء”.

وعبّرت الأمم المتحدة عن الحق في التعليم في المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR)، بأن لكل إنسان حق غير قابل للنقض ومضمون في أن يكتسب، دون عقبات، في المعارف والمهارات اللازمة لضمان حياة كريمة ومستقلة.

يتعرّف الأطفال والنساء خلال التدريب على طريقة إمساك الكاميرا، وقواعد التصوير، أحجام الصورة، توزيع الإضاءة، زوايا الصورة، وضبط الإعدادات على الهاتف والكاميرا، ليستطيعوا التعامل مع الأمرين، خاصة أنه ليس من السهل الحصول على كاميرا، كما توضّح دينا.

عملت دينا قبل الحرب في مجال التدريب على التصوير الفوتغرافي والفيديو والتصميم خاصة للسيدات، كي يتمكّنّ من الحصول على فرصة عمل من خلال الجلسات الخاصة والحفلات والمناسبات، وبعضهن أصبحن مصوّرات شهيرات، إضافة لمشاركتها سابقًا في مشروع لتعليم الأطفال فن التصوير الفوتغرافي.

تضيف دينا: “لا تقتصر مهمة المبادرة على تدريب التصوير فقط؛ بل تعليم الأطفال والسيدات كيفية التعبير عن الصورة التي يصوروها، لتكون مدخلًا لروايات وحكايات عاشوها خلال الحرب، ولم يستطيعوا سردها، أو يعبروا عن الواقع الذي يعيشوه داخل الخيمة، والذي يصفوه بمسمى “مش حياتنا”.

“مش حياتنا نطبخ على النار”، “مش حياتنا أواعينا قليلة ومش مرتبة”، هو صوت تذمّر الأطفال والسيدات على حياة أجبروا عليها داخل الخيمة، ويرفضوها، وذكريات اشتاقوا لها، لذا يبحثون دومًا عن مشهدٍ يضفي الجمال على حياتهم.

“نبحثُ معًا لاستئناف علاقتنا مع الجمال”، هذا ما تفعله السيدات الغارقات في الخيام من خلال صورهن، كأن تضع وجبتها التي أعدّتها على الحطب في صحن وتلتقط صورة وفقًا للمهارات التي اكتسبتها، أو أن ترغب بتصوير صورة مماثلة لمشهدٍ شاهدته على الانترنت، وهناك من ترى إنه حتى وإن صوّرنا الدمار فهي تعبّر عن معاناتها.

تعمل دينا مصوّرةً منذ 12 عامًا، طوّرت خلالها مشروعًا خاصًا يقدّم كافة خدمات التصوير والطباعة والمونتاج والتصميم للأفراد والمؤسسات، لكنها توقّفت وخسرت مشروعها بسبب الحرب.

تستثمر دينا وقتها حاليًا في تنفيذ التدريبات للنساء والأطفال بشكل طوعي، مستعينة بكاميرتين نجت بهن، معتمدةً على مادة نظرية وعملية باستخدام الكاميرا والهواتف النقّالة، وتتوّج عمل المشارِكات بمعرضٍ تقيمه داخل المخيم.

تختم دينا: “أتمنى أن أجمع كل هذه الصور في معرضٍ واحدٍ نقيمه في غزة، وألا تبقى حياتنا مغلقة داخل المخيمات، أطفالنا يمتلكون عين جميلة وتعبير قوي، صورهم ليست عشوائية، هل صور تتحدث وقادرة على المنافسة في مسابقات حول العالم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى