هبة وحُلمُ حضنٍ أخير ووداعٍ لم يكتمل

هبة وحُلمُ حضنٍ أخير ووداعٍ لم يكتمل 

 

غزة- وردة الدريملي :

“كنّا خمسةٌ وأصبحنا ثلاثة، اثنان من أولادي استشهدوا”، بهذه الكلمات تحدثت الفلسطينية هبة النديم (28 عامًا) عن أسرتها بعد فقدانها اثنين من أبنائها، إثرَ قصفٍ تعرّض له البيت الذي نزحت إليه.

تكتم دموعها وهي تسرد تفاصيل فقدان صغيريها أحمد (5 سنوات) وكريم (عامًا ونصف)، وإصابتها هي وزوجها مع طفلها الناجي من القصف عمر (8 سنوات)، لتبقى هذه اللحظات هي الأشدّ وجعًا على قلبها.

تسردُ هبة التي كانت تسكن حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة الحكاية: “نحو الساعة الثالثة والنصف عصرًا، كنا نتناول طعام الغداء، فسمعنا أصوات أحزمةٍ ناريةٍ وانفجارات تهزُّ المنطقة تعلو أكثر فأكثر، حتى قُصف منزلنا، ولم أستيقظ بعدها”.

تتابع: “حاول أحدهم إنقاذي وانتشالي من تحت الأنقاض، لم أكن واعيةً بالكامل، سقف المنزل كان فوق جسدي، وكلما حاولوا إخراجي ضغطَ السقفُ عليَّ أكثر، كل ما تذكرته حينها هو صوت الحزام الناري، بدأت بالمناداة على أولادي، كريم وينك؟ أحمد كان في حضني، وعمر رأيته من بعيد، تذكرت أن كريم قال لي قبل الضربة مع السلامة يا ماما، وبعدها لم أتذكر شيئًا”.

ويتناقض استهداف المدنيين بالقصف مع بنود اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، التي تنص في المادة رقم (33) على حظر الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم.

بينما ضغط السقف على جسدها؛ حاولت هبة البحث عن أبنائها، رأت أقدام أحمد فوق قدمها، حاولت احتضانه الحضن الأخير، لكن كان مستشهدًا، كريم فوق قدمها الثانية، لم تشعر به بدايةً ولم يره المنقذون، وفي النهاية رأته في أقسى مشهد، لقد كان يلفظُ أنفاسهُ الأخيرة، أما عُمر فقد كان مصابًا.

تمسح دموعها وهي تواصل سرد تفاصيل الحكاية: “كانت إصابة عمر في الرأس، دمهُ كالشلال من شدّة النزيف ورأسه مفتوحًا بصورة صعبة، ظننت أنه لن يعيش، أما إصابتي فكانت في الرأس وكسر في يدي وحروق في نصف جسدي، وسيخٌ من الحديد في منتصف قدمي، وكانت إصابة زوجي في القدم”.

تجربةٌ مرعبةٌ عاشتها هبة وعائلتها، إصابةُ طفلهِا عمر كانت سيئة خاصة حين تمّ علاجه في مستشفى المعمداني دون توفّر الأدوات اللازمة، لا غرز طبية ولا بنج، فكان البديل “استخدام الدبابيس”! 

وكان مستشفى المعمداني نفسه، تعرّض لقصف إسرائيلي أدى لاستشهاد نحو 400 من النازحين، في تناقض مع بنود اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر في المادة رقم (18) الهجوم على المستشفيات.

تقطب هبة حاجبيها وتضغط شفتها بينما توضح بمرارة: “تم تدبيس رأس عمر باثني عشر دبوسًا من دبابيس الدفاتر، استمر النزيف ليومين، لم يتحمل ابني الوجع وكان يتمنّى الموت في كل لحظة، وعند التنظيف اليومي لجرحه كان يصرخ (وديني عند إخوتي يا ماما)، جرّبت وجعه بنفسي حين تم نزع (18) دبوسًا من رأسي، كأنها أسياخٌ تنزع من اللحم”.

تفاصيلٌ كثيرة عايشتها هبة وعائلتها في هذه المعركة، مشهد النزوح كان يتكرر دائمًا بدءًا من بيتها الذي يقع في شارع 8 حتى استقر بها الأمر في أحد مراكز الإيواء الحكومية، وهنا بدأت معاناة جديدة!

تقول أم عمر:” في غرفة الإيواء المقسمة بين ثلاث عائلات، مساحة كل عائلة تقريبًا مترًا في مترين، نكون 20 فردًا بالنهار ونصبح 29 ليلًا، الخصوصية منعدمة، ومع سواد الليل تطاردني ذكريات أطفالي، حنان والدي الشهيد، حضن أمي النازحة بعيدًا عني، تجمُّع إخوتي وأخواتي وضحكاتهم، أبكي وحيدة دون أن أُشعر أحدٌ بحالتي”.

هبة التي فقدت أكثر من 20 فردًا من عائلتها، ولا زال البقية تحت الأنقاض، تختتم حديثها بقولها:” أفتقد عائلتي كثيرّا، خاصة حضن أمي الدافئ”، وبتنهيدة مليئة بالحسرة تختم: “لم أحظَ بوداع أطفالي ومنحهم الحضن الأخير، ولم أقبّل والدي”، أتمنى أن ينتهي كابوس الحرب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى