في الخيمة لا خصوصية ولا أمان..إليكم معاناة رانيا
دير البلح– خديجة مطر:
على باب خيمتها، تجلس الشابة رانيا حرب (29 عامًا) وهي تقلّب قطعٌ من الخبز المرقق “خبز الصاج” الذي تطهوه على النار، بينما تمسح العرق المتصبب على جبينها، وتكتم أنفاسها بطرف حجابها.
“هنا لا مجال للراحة ولا الحديث عن خصوصية ولا أمان، أقضي نهاري بثوب الصلاة، ووسط آلاف النازحين نمارس كل حياتنا، حتى الذهاب إلى المرحاض يحتاج إلى طابور ما يجعلني أشعر بالخجل”، بهذه الكلمات تحدثت رانيا بينما تواصل تقليب الخبز المرقق.
تعيش رانيا مع زوجها وأطفالها السبعة، في خيمةمن النايلون لا تتجاوز ثلاثة أمتار بمنطقة أرض شرّاب في دير البلح وسط قطاع غزة، منذ أن نزحت من بيتها شمال قطاع غزة إلى وسط القطاع، إثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر، حيث أجبرالاحتلال مئات آلاف المدنيين من سكان شمال القطاع على النزوح إلى جنوبه!
وكغيرها من النساء، تشكو رانيا انتهاك أبسط حقوقها الإنسانية وهو تمتّعها بالخصوصية، حيث وجدت نفسها مجبرة على ممارسة كل ما يتعلق بحياتها الخاصة أمام آلاف النازحين، ما شكّل عبئًا نفسيًا إضافيًا عليها.
تقول رانيا: “حياتنا هنا طوابير، نبدؤها بطابور المياه، الخبز، التكيات، العلاج، وليس انتهاء بطابور المرحاض الذي خُصص لآلاف النازحين، وهو ما يتطلب الانتظار وقتًا طويلًا حتى يأتي دوري، حاولت إنشاء مرحاض خاص بي في الخيمة لكن التكلفة تصل إلى 300 دولار وهذا مبلغ لا أستطيع توفيره، ما جعل أطفالي أغلب الوقت يقضون حاجتهم داخل وعاء على مقربة من خيمتي المتهالكة”.
بعد الانتهاء من تحضر الخبز، تدخل رانيا إلى الخيمة، وهي تشير إلى بعض الأواني معقّبة: “حياتي مختزلة بالكامل في هذه الأمتار الثلاث”.
ببعض قطرات من المياه، تمسح وجهها المرهق بينما تحكي كيف كانت تعيش في بيتها بحي الدرج وسط مدينة غزة، حياةً بسيطةً هادئةً مستقرة، تتمتع فيها بكامل حريتِها واستقلاليتِها، يكفي أن بيتها يحفظ خصوصيتها وكرامتها.
تكمل: “حين اشتدَّ القصفُ حولنا، واقترب الخطر من عائلتي، اختار زوجي بعد شهر من العدوان النجاة بأرواحنا، أخذنا أطفالنا السبعة، بين يدي طفلتي الرضيعة وبالأخرى بطاقة الهوية، وسِرنا مسافة 8 كيلومترات، تناوبنا أنا وزوجي على حملِ الصغار، من داخل غزة حتى حاجز الاحتلال جنوب المدينة“.
خلال الطريق مرّت العائلة على طرقٍ مرعبة، تنتشر على أحد جوانبها جثث متحللة لشهداء، وعلى جانبها الآخر دباباتُ الاحتلالِ المنتشرةُ في المكان، لا تتردد في إطلاقِ قذائفِ الموت، ارتجفت رانيا وصغارها رعبًا، حتى أن أحدهم بال على نفسه!
بوجهٍ عابسٍ وأيدٍ أرهقتها نيران الموقد الحديدي؛تشير إلى قطع النايلون الشفاف مشتكيةً قلة الخصوصية في هذا المكان، بينما تكمل: “اضطررنا في الطريق إلى ترك ملابسنا ملقاة على الأرض، فلا طاقة لنا بحملها ونحن نسير كل هذه المسافات، انتهى بنا الحال داخل أحد ممرات مستشفى شهداء الأقصى لثلاثةِ شهور، وحين تقدّم جيش الاحتلال باجتياحه قرب المستشفى، نزحنا مرة أخرى إلى منطقة البصّة وسط المدينة”.
بأعجوبة استطاعت العائلة توفير قطع من الخشبوالنايلون والقماش المتهالك لإنشاء خيمة تقيهم البرد والمطر والكلاب الضالة، المكان كالصحراء يخلو من كل مقومات الحياة، المساعدات شبه معدومة، والاعتماد الرئيسي في الطعام على ما توفره التكيات من أهل الخير، فلا خيار آخر للعائلة التي فقد معيلها مصدر دخله خاصة كونه مصابًا في عدوان سابق ويجد صعوبة في الحركة.
تكمل: “انتقلنا إلى مكان آخر في نزوحنا الخامس، بمنطقة اسمها أرض شراب، داخل خيمة من النايلون والقماش المهترئ، ومساحة لا تتجاوز ثلاثة أمتار تضمّنا جميعًا، نصارع من أجل البقاء، ننام بثلاثة أغطية فقط، نضع سجادة على الأرض أرهقتها الرطوبة والحشرات، وننام صفًا واحدًا”.
تكمل: “نمكث ساعات أمام النار لإشعال موقد للخبز والطبخ وتسخين مياه للاستحمام، تجربة تتطلب جهدًا يضطرني وصغاري للبحث في الطرقات والأسواق عن خشب وأوراق لإشعالها”.
انهمرت دموع رانيا وهي تستذكر حياتها كيف كانت بسيطة وعادية، لكن تستطيع توفير ألعاب لأطفالها والاهتمام بدراستهم، والآن ينامون ببطون فارغة.
تختم: “كل حياتي كامرأة مكشوفة أمام الجميع،انتهاك الخصوصية أمرٌ قاسٍ بالنسبة لنا ويمس كرامتنا، اشتقت لمنزلي الذي يحفظ خصوصيتي وكرامتي”.