معركةُ سهام …آلامُ الفَقدِ وتحدياتُ ظروفِ الحرب

رفح- هبة الشريف:

تمررُ الشابة سهام وهبة (27 عامًا) جبين طفلها ركان وهي تتمتم بالدعاء لوالده بالرحمة وتعاهده أن تظلّ أبدًا سندًا لطفليها، تحميهما من قادم الأيام وقسوة الحياة في قطاع غزة.

مساء العاشر من أكتوبر 2023، كان صاعقة بالنسبة لعائلة الصحفي الفلسطيني هشام النواجحة (27 عامًا)، الذي استشهد أثناء تغطيته للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تاركًا زوجته سهام وطفليه التوأم ركان وإيلان.

“ضاقت الدنيا عليّ منذ ذلك الحين وما تزال، أشعر بقسوة مواجهة الدنيا دون هشام فما بالكم ونحن في حالة حرب”، تقول سهام.

تمسح قطرات من الدمع تسللت من مقلتيها وهي تسرد تفاصيل ذلك اليوم الذي استشهد فيه: “هشام مصوّر صحفي متميز يحب عمله، ويجد نفسه في إيصال صوت الناس، ومع بدء الحرب شدّ الرحال إلى عمله، كنت على تواصل دائم مع هشام أوصيه دومًا بالابتعاد عن الخطر، إلا ليلة استشهاده”!

تشرح: “في تلك الليلة بلغنا خبر تهديد الاحتلال لمنزل مجاور لبيتنا بالقصف، حملت طفلاي ركان وإيلان (3 سنوات) وهربت بهما وسط الظلام إلى بيتٍ قريب وأنا أقول في نفسي لو أن هشام معنا لكان هو السند في هذه الأوقات الصعبة”.

ليلًا، توالت الأخبار حول استشهاد اثنين من الصحفيين، جزع قلبُ الشابة فوضعت يدها على صدرها وتمنت على الله أن يكون زوجها بخير، لكن نواميس القلب لا تخطئ، استشهد هشام، صرخت بعلوّ صوتها، ولكن كان عليها الالتفات سريعًا لحماية طفلين يسألان عما حلّ بأبيهما، وقبل أن تستفيق من صدمة الفراق، كان عليها النزوح مجددًا.

“الحرب ما زالت مستمرة والمخاطر كبيرة، أستذكر هشام في كل لحظة، أحاول الإجابة عن تساؤلات أطفالي، هم اقتنعوا أنه في الجنة، ورغم صغر سنهم لكن أسئلتهم عنه لم تتوقف، هل يأكل مثلنا، هل سيحضر لنا الحلوى والفوانيس”، تقول سهام.

لم تتوقف معاناة سهام عند آلام الفقد ومشاعر الحزن التي تلازمها، بل إن أعباء الحياة ورعاية طفلين في ظل ظروف الحرب زادتها ألمًا وخوفًا، ووضعتها أمام مسؤوليات ثقيلة وصراع يومي من أجل توفير احتياجات طفليها.

تكمل: “بعد أن هدد الاحتلال غالبية المنازل بالمنطقة التي أقيم فيها، اضطررت للنزوح بأطفالي ليلًا أكثر من مرة، المعاناة كبيرة كون الطفلين توأم، أضطر لحملهما معًا والهرولة بهما للنجاة من المجازر، هذا غير حمل حقائبي وزجاجات المياه”.

قضت ثلاثة شهور في منزل على شاطئ بحر رفح، ثم انتقلت إلى منزل والد زوجها في رفح بسبب خشيتها من مرض الكبد الوبائي الذي انتشر بين النازحين، لكن عادت إلى منزلها المصاب بأضرار جزئية، فوضعت قطع من النايلون ومكثت فيه.

عن معاناتها في توفير احتياجات طفليها توضح: “أعاني بشدة في سبيل توفير أنبوبة غاز لا تكفي لشهر واحد، والاعتماد على تعبئة المياه من الخارج، واستخدام الحطب للطبخ بدلًا عن الغاز الذي لم يتوفر بالشكل المطلوب وارتفع سعره”.

تتلقى سهام المساعدة من أشقاء زوجها الذين يقفون في طوابير الخبز، ولكن تضطر أحيانًا للوقوف بسبب كِبر حجم العائلة والاحتياج لأكثر من ربطة، في ظل تحديد المخابز ببيع ربطة خبز واحدة للفرد.

تكمل سهام: “تقدمت للعمل في مؤسسة إلى جانب عملي الجزئي الذي أحصل منه على أجرٍ تحفيزي، خلال ساعات عملي، أخشى على طفلاي من أي أذى، وأخشى استهداف المكان الذي أعمل فيه، أنا في حالة قلق دائم.

تردف والدموع تغرق عينيها: “هشام كان متميزًا في عمله وأيضًا يجتهد لتوفير حياة كريمة لنا، الآن وحدي أعاني من أجل توفير كل شيء، ناهيك عن الارتفاع الجنوني في الأسعار الذي يعاني منه الجميع فما بالكم بمن فقدت المعيل”.

قدر المستطاع تحاول سهام تعويض طفليها عن أبيهم، لكن الغلاء يحول دون قدرتها على توفير كل ما يلزمهم، فالحصول على شيء يتطلب الكثير من الوقت والمال وقد تعود بأيدٍ فارغة.

تكمل بحسرة:” ليتني منعته من الخروج تلك الليلة، الصاروخ الذي اخترق جسده كأنه اخترق جسدي ومعي طفلاي وكل من كان يحب هشام العطوف الهين اللين”.

لا تريد سهام الآن سوى حياة آمنة لطفليها كي تتمكن من تحقيق وعدها الذي قطعته لزوجها بأن يكبران كما أراد لهما هشام، ويحققان كل ما تمناه، تختم: “أوقفوا الموت كي تُكتب لأطفالنا الحياة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى