مأساة ياسمين.. فشل كلوي ونزوح قسري

دير البلح- خديجة مطر:

“نزحْتُ من بيتي منذ خمس شهور هربًا من الموت وبحثًا عن فرص العلاج، وها أنا أصارع الموت داخل المستشفى وحيدة دون أدنى مقومات الحياة ومحرومة من العلاج اللازم، بانتظار حلول تضمن حقي في العلاج وجمع شملي بعائلتي“.

بهذه الكلمات تحدثت الشابة ياسمين مشتهى (36 عامًا)، واصفةً تردي وضعها الصحي نتيجة عدم تلقيها جلسات غسيل الكلى بانتظام وسوء التغذية، وبُعدها عن أسرتها.

بوجهٍ شاحبٍ وجسدٍ هزيل، تتكئ ياسمين على كرسي جهاز غسيل الكلى داخل مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، بينما تتدلى الخراطيم البلاستيكية من يدها، تلك التي تنقل الدم من جسدها إلى جهاز الغسيل ثم تعيده مرة أخرى، تقول: “معاناتي بدأت مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث تزامن مع موعد جلسة غسيل الكلى”.

تشرح الشابة التي كانت تسكن حي الشجاعية شرق مدينة غزة والمصابة بمرض الفشل الكلوي: “بعد أيام من أحداث 7 أكتوبر 2023، هاتفتني صديقة متواجدة في قسم غسيل الكلى بمستشفى الشفاء أن الوضع في محيط المستشفى صعب ونصحتني بعدم المخاطرة والقدوم إلى المستشفى، وأن قسم غسيل الكلى توقّف كليًا عن العمل”.

تكمل: “أصبحت في حيرة لا أدري ماذا أفعل، قررت العودة لمنزلي، مكثت عشرة أيام دون جلسات غسيل الكلى، على أمل عودة المشفى للعمل وتوقف وتيرة الموت والعدوان، لكن دون جدوى”.

منذ عام 2012 تتعايش ياسمين مع مرض الفشل الكلوي، تحافظ بانتظام على غسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعيًا في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وتصل مدة الجلسة الواحدة أربع ساعات متواصلة.

نهاية أكتوبر 2023، قررت الشابة خوض مغامرة النجاة، والنزوح مع شقيقها إلى جنوب قطاع غزة سيرًا على الأقدام لمسافة تزيد على 9 كيلومترات، من حي الشجاعية شرق مدينة غزة إلى المدخل الجنوبي لغزة، حيث يتمركز الجيش الإسرائيلي على حاجز يبدأ من أقصى شرق القطاع، لتقرر بعدها الوصول إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة، والمكوث في قسم غسيل الكلى.

بصوت ضعيف متقطع تقول ياسمين: “منذ إصابتي بالفشل الكلوي أحاول الحفاظ على علاجي والتركيز في نظامي الغذائي، لكن هذه الحرب قلبت حياتي، لم يسبق أن واجهت ظروفًا مماثلة، جلسات غسيل الكلى أصبحت اثنتين أسبوعيًا بدلًا من ثلاثة، ولساعتين فقط للجلسة، بسبب الضغط الشديد على وحدة غسيل الكلى بالمشفى الوحيد في دير البلح”.

تخفض صوتها برهة وتأخذ شهيقًا طويلًا سرعان ما تزفره وهي تكمل: “استقر بي الحال داخل قسم غسيل الكلى منذ خمسة شهور، القسم يستقبل المرضى صباحًا ويتحوّل للمبيت مساءً، عدد جلسات غسيل الكلى غير كافٍ ما جعلنا نخسر يوميًا مرضى، انخفاض المدة الزمنية للجلسة انعكس عليّ سلبًا بتجمّع المياه على قفصي الصدري وهذا يشكّل خطرًا على حياتي”.

وتفتقد ياسمين لكل مقومات الحياة كمريضة فشل كلوي تحتاج إلى التغذية، لكن ارتفاع أسعار الطعام والفواكه حرمها القدرةعلى الشراء، ما جعل غذاءها اليومي لا يتعدى أقراصٌ من الفلافل والقليل من الزعتر وجبنة الفيتا المصنّعة، وكلها أطعمة تسبب مضاعفات صحية خطيرة.

تعقّب: “ناهيك عن الدخان المنبعث من النار التي يوقدها النازحون من أجل الطبخ، والروائح المنبعثة من مياه الصرف الصحي التي تتسرب من خيم النازحين في المشفى”.

وتثبت الفحوصات التي يتم أُجريت بعد جلسات الغسيل الكلوي ارتفاع نسبة الكراتين في جسدها، ومع عدم توفر الأدوية الخاصة بها واستبدالها بعلاج الكالسيوم الخاص بالأطفال والذي يتوفر بكميات قليلة، تضطر لتقليل الجرعات المطلوبة، ما يشكّل خطرًا على حياتها ويجعلها في حالة قلق دائم.

تمكث ياسمين في قسم غسيل الكلى بالمشفى مع سبع حالات مرضية، نزحت وهي لا تمتلك ثيابًا ولا خيمة تأويها، وطالبت منذ شهور بتوفيرها دون جدوى، ما يضطرها أغلب الأوقات للمكوث على أرضية المشفى وفي الطرقات لساعات طويلة برفقة أكثر من 15 مريضة، بعد أن يفرشون الأرض بقطعٍ من القماش.

ومع وصول عدد وفيات مرضى الفشل الكلوي إلى 16 نتيجة الحرمان من العلاج اللازم؛ يزداد الوضع النفسي للشابة سوءًا، فهي التي نزحت بحثًا عن الحياة، الآن تجد الموت يكشّر عن أنيابه في وجهها في كل لحظة.

ياسمين واحدة من 1100 مريضةً ومريضًا من مصابي الفشل الكلوي في قطاع غزة، ترك العدوان الإسرائيلي آثاره الثقيلة عليهم، فبعد أن كان قطاع غزة يضم 7 وحدات لغسيل الكلى، الآن لا يوجد سوى مستشفى شهداء الأقصى ومستشفى أبو يوسف النجار في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

تختم الشابة: “الآن أنا بين الحياة والموت، لا أريد البقاء وحيدة بين جدران غرفة غسيل الكلى وأسلاك الأجهزة، نحن ندفع ثمن الحرب مضاعفًا، أريد لم شملي بعائلتي وأريد حقي في العلاج”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى