حقوق “الأكاديميات” على المحك و”الهيئة الضاغطة” خُطوة مُلحّة!

حقوق "الأكاديميات" على المحك و"الهيئة الضاغطة" خُطوة مُلحّة!
#احترمها #ساندها #الحماية_حق #cdmcgaza

غزة/ بقلم آلاء محمد

لم يكن غريبًا في ظروفٍ تشبه التي يعيشها قطاع غزة المحاصر منذ 17 عامًا، أن يخسر شابٌ عمله بعد ثلاثة أشهرٍ من زواجه. الغريب أن يستمر الحصار في سدّ الأبواب التي يمكن أن يدخل منها الأمل لينير ظلمة الواقع.

تفاصيل الحكاية بدأت، عندما تزوّج غسّان من “رنين” (اسمٌ مستعار)، الشابة التي تخرجت الأولى على دفعتها من إحدى كليات الهندسة قبل ثلاث سنوات، وعُينت أكاديميةً في جامعتها “بالساعة” منذ ذلك الوقت، مع تجديد التعاقد. كان تَركُ الشاب لعمله أول مأزقٍ تمر به العائلة في مهدها، “لكن عملي كان يسدُّ خانةً” وفق تعبيرها “لولا بعض التفاصيل” تستدرك.

طبيعة عمل الأكاديميات بالساعة في جامعات قطاع غزة عمومًا، لا تعطيهن حقوقًا كتلك التي تتمتع بها الأكاديميات المثبتات (والأمر ينساق على الأكاديميين أيضًا)، سواءً على صعيد إجراءات التثبيت، أو الحقوق المالية، أو التكليفات الإدارية، وتوزيع المساقات الدراسية، وأخيرًا الإجازات “وهنا لنا وقفة” تتابع.

بعد فترةٍ قصيرة، تعرضت رنين “الحامل” في أشهرها الأولى إلى بوادر إجهاض، ما اضطرها لأخذ راحة أسبوعين “وفق توصية الطبيب”، وهذا يعني أن المبلغ الذي ستتقاضاه عن الفصل “الذي بالكاد يكفي أصلًا لاحتياجات البيت الأساسية”، ستُخصم منه مدة الغياب الاضطرارية تلك (بما يعادل 12 ساعة).

تقول: “لم يكن الأمر منطقيًا، وإن كان الأكاديميون بالساعة بمثل حالنا، لكن طبيعتنا البيولوجية تحتم وضع هذه الخصوصية في عين الاعتبار من طرف القائمين على تنظيم عقودنا في جامعات قطاع غزة”.

الحال ذاته، تكرر وقت الميلاد، إذ اضطرت رنين للعودة إلى دوامها بعد أقل من أسبوعين على الوضع، كون عملها هو مصدر الدخل الوحيد للعائلة، “وللطفل الجديد صاحب الاحتياجات التي لا يمكن تأجيلها” تزيد.

أكاديميةٌ ثانية (فضلت عدم ذكر اسمها) عملت بعقد “الساعة” لمدة أحد عشر عامًا! وكانت كلما توجهت لعميد الكلية بعد تثبيت أحدهم، يخبرها بأن “الإداري في الجامعة، الذي تحول لأكاديمي أولى في التثبيت من غيره”.

وعلى نفس الطريق، تحدثت الأكاديمية التي سنرمز لها بـ”س”، عن أزمة الإجازات، واحتياجات المرأة الأكاديمية العاملة بالساعة لها بسبب طبيعتها البيولوجية، والظروف الاجتماعية المختلفة، التي تجعلها مسؤولة عن أطفالها من جهة الرعاية الصحية وغيرها في حال المرض على سبيل المثال. تضيف: “للأسف، في الفصل الذي كنت أعرف أنني سأضع خلاله مولودي، أعتذر عنه بشكل تام، لأنني كنت أعرف أن إجازة الوضع ستكون على حسابي، ناهيكم عن عدم إمكانية الاعتذار لأسبابٍ لا تعترف بها الجامعات كتعب نهاية الحمل أو غير ذلك”.

وتخبرنا أكاديميةٌ أخرى (رفضت أيضًا ذكر اسمها)، أنها كانت تعمل بالساعة لسنواتٍ طويلة تجاوزت الثمانية في إحدى جامعات القطاع، “لكن عندما قررت الإدارة تثبيت أكاديمي، وقع الاختيار على زميلٍ آخر” تقول.

لم يملك الزميل نفس سنوات الخبرة التي امتلكتها الأكاديمية التي سنطلق عليها اسم (نور)، ومبررات الإدارة لتثبيته كانت واهية على حد وصفها، وهذا ما دفعها فورًا لترك العمل. تعقب: “شعرت بإهانةٍ كبيرة، فقدمت استقالتي”، منبهةً إلى أنها كانت شاهدًا على أشكالٍ كثيرة من “التمييز” تعانيها الأكاديميات المثبتات أيضًا، “لا سيما فيما يتعلق بتقلد المناصب، أو السفر للمشاركة في مؤتمرات خارجية” تردف.

تواصلنا مع سبع أكاديميات من جامعاتٍ مختلفة في قطاع غزة. أربعة منهن مثبتات، وثلاثة (غير الحالات أعلاه) يعملن بالساعة حاليًا، وكلهنَّ نفَين وجود أي مشكلات على صعيد العمل، “اللهم إلا في قضية الإجازات” قالتها إحداهن على استحياء.

وهذا ما استغربته الدكتورة هالة الحرازين، الأكاديمية والناشطة المجتمعية، حين أشارت إلى دراسةٍ أُعدت حول واقع الأكاديميات في المؤسسات الأكاديمية في قطاع غزة، عام 2020م، وكانت جزءًا منها، حين حضرت الاجتماعات التي ضمت عددًا كبيرًا من الأكاديميات من مختلف جامعات قطاع غزة، اللواتي تحدثن عن مشكلات عارمة يعانين منها، وعنوانها الرئيس “التمييز بين الأكاديميين والأكاديميات في الحقوق والتثبيت”.

وعزَت الحرازين ما أسمَته “ذلك الإنكار أمام الإعلام”، للخوف على الرزق ربما، أو الخوف من المساءلة داخل الجامعة، مؤكدةً أنها كانت شاهدةً على أكاديميات، تحدثن عن نظرةٍ ذكورية داخل أروقة الجامعة، تقلل من قدرة الأكاديمية المرأة على تحمل تبعات المناصب العليا. تقول: “إحداهن تحدثت عن منصب كادت تحصل عليه لولا أن القرار تغير بين يومٍ وليلة، ليعلن في اليوم التالي اسم رجل هو فلان ابن فلان صاحب المنصب الإداري في الجامعة نفسها”.

وأخرى -وفق د.هالة- قالت إن الجامعات تتعامل مع المرأة الأكاديمية على أنها لا تجرؤ على اتخاذ القرارات، كما أنها كثيرة الغياب لأسباب بيولوجية مختلفة، كالوضع، وحتى مرض الأبناء، ولذلك يفضلون تثبيت الرجل.

وثالثة (والحديث للدكتورة هالة) قالت إن مجلس الأمناء برر في يومٍ منع حصولها على منصب، بأن الاجتماعات التي يعقدها المجلس متأخرة، والسيدة لا تستطيع تجاوز نظرة وعرف المجتمع، ولهذا يفضلون تنصيب الرجل.

“وأرجعت رابعة عدم تثبيتها في الجامعة لانتمائها الحزبي المختلف، متهمة إدارتها بتثبيت أكاديمية أخرى -جاءت بعدها- لتَوَافق انتمائها الحزبي مع فكر الجامعة، فعلى حد تعبير (الأكاديمية): الانتماء الحزبي يتدخل بشكل عميق في عمليات التعيين إن كان على بند العقود أو التوظيف، كما أنه يحدد المناصب الإدارية، ومن يتقلد المواقع القيادية في الجامعة”.

وأكدت الأكاديميات -وفق د.هالة- أنهن طالبن مرارًا بمساواتهن مع الأكاديميين، لكن شيئًا لم يتغير، رغم أن بعضهن منفصلات ويُعِلن أولادهن.

ورغم انضمام فلسطين للاتفاقية الدولية الخاصة بإلغاء كافة أشكال التمييز العنصري، والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتزام الجامعات كمؤسسات أكاديمية فلسطينية بقوانينها واتفاقياتها، ومواءمة أنظمتها الداخلية مع هذه القوانين، إلا أن دراسةً أصدرها مركز الإعلام المجتمعي (CMC)، حول واقع الأكاديميات الفلسطينيات في المؤسسات الأكاديمية بقطاع غزة، بيّنت أن الجامعات لا تلتزم كليًا بهذه الاتفاقيات، ويبقى التزامها جزئيًا.

“ففي الوقت الذي تلتزم فيه الجامعات بمساواة الأكاديميات بالأكاديميين في الأجور، والتقاعد، والترقيات، والحقوق المالية، حسب شروط البحث العلمي، وإجازات الأمومة وخلافه، ينطبق ذلك فقط على الأكاديميات المثبتات، لكن التمييز يبدو جليًا في حال الأكاديميات غير المثبتات، اللاتي يواجهن حالةً من الإقصاء، والتمييز، ولا يحصلن على ذات الفرصة التي يحصل عليها الأكاديميون الرجال”.

وعلى صعيد الأكاديميات المثبتات، في الوقت الذي يسمح فيه بإضافة علاوة للزوجة والأبناء في حالة الأكاديميين، لا تحصل الأكاديمية على ذات الحق، وهو ما اشتكت منه العديد من الأكاديميات “عينة الدراسة”، وفي ذات الوقت يوجد فارق كبير في العلاوة التطويرية للأكاديميين، بين الأكاديمي والأكاديمية، رغم أن العبء واحد، وهذا يحدث تمييزًا سلبيًا وفارقًا كبيرًا في الأجور بين الأكاديمي  والأكاديمية، لا سيما وأن الجامعة تتعامل معها كعزباء دائمًا.

وحسب الرقم الذي أوردته الدراسة لنسبة الأكاديميات المثبّتات في جامعات قطاع غزة، فإن النسبة ضئيلة مقارنة بالأكاديميين، إذ تبلغ 14% من نسبة الأكاديميين المثبتين.

أوصت الدراسة بالكثير من التعديلات الواجب تفعيلها في نظام العمل الأكاديمي، على صعيد التمييز بين الأكاديميين والأكاديميات في جامعات قطاع غزة، وكان على رأسها، تأسيس هيئة ضاغطة باتجاه حقوق الأكاديميات في جامعات قطاع غزة، وهو ما تحول إلى بذرة “قيد الإنبات” في مركز الإعلام المجتمعي.

تقول خلود السوالمة مديرة المشاريع في المركز: “هيئة الأكاديميات الفلسطينيات، هي مجموعة ضغط وتأثير منظمة، تقودها نخبة من الأكاديميات الفلسطينيات بهدف مكافحة كافة أشكال التمييز ضد الأكاديميات، وتمكينهن من التمتع بحقوقهن بطريقةٍ تستجيب لمتطلبات العدالة الجندرية”.

وتستند رؤية الهيئة -حسب السوالمة- إلى السعي لخلق مجتمعٍ أكاديمي فلسطيني مستجيبٍ للعدالة الجندرية، ويحترم حقوق الأكاديميات، ويخلو من كافة مظاهر التمييز، مضيفةً: “تسعى الهيئة إلى تحقيق رؤيتها، من خلال قيادة جهود رفع وعي المجتمع الأكاديمي بحقوق الأكاديميات، ومظاهر التمييز ضدهن، وتطوير المنظومة القانونية لحماية الأكاديميات، ومراقبة ورصد مدى التزام المجتمع الأكاديمي بمتطلبات العدالة الجندرية”.

ووفق السوالمة، تسعى الهيئة إلى بناء قدرات الأكاديميات في مختلف المجالات، وحماية حقوقهن في العمل، وضمان التمثيل العادل لهن في مختلف الهيئات القيادية داخل الجامعات الفلسطينية.

ويمضي تشكيل الهيئة اليوم وفق خطواتٍ متتالية، بدءًا من إقراء النظام الداخلي، وتجهيز الخطة الاستراتيجية التي أعلن عنها في أكتوبر من عام 2020م، بالإضافة إلى تجديد الاحتياجات من خلال دراسة نشرت العام الماضي، ثم تشكيل الهيئة التأسيسية. تعقب خلود: “وحتى بعد تسجيلها رسميًا في الوزارات المختصة، سيظل مركز الإعلام المجتمعي داعمًا ومساندًا لها في إطار دعم حقوق الأكاديميات في كافة جامعات قطاع غزة”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى