هوس إنجاب الذكور معركة الأمهات الخاسرة في مواجهة العادات والتقاليد

غزة/ بقلم: هديل الغرباوي

“ابعدوها عني لا أريدها لا أريد إنجاب بنتًا”، بملء حنجرتها صرخت “داليا” ودخلت في حالة انهيار نفسي، مطالبة بإبعاد طفلتها عنها!

“داليا” 33 عامًا”، من مدينة غزة، هو اسم مستعار لشابة ما زالت تلملم جراحها وهي تروي ما حدث لها بعد أن وضعت طفلتها الرابعة، فكل المشكلة أنها أنجبت “أنثى”، بينما أرادت إنجاب ذكر للخلاص من التعنيف الذي تتعرض له نتيجة لما يسميه محيطها الاجتماعي “عدم إنجابها لذكر” في مجتمع يُعلي من شأن الذكور على حساب الإناث.

تقول “داليا” وهي تحاول كفكفة دموعها: “تركت دراستي الجامعية عندما تزوجت وأنجبت طفلتي الأولى وبعد شهور فوجئت بزوجي يطالبني بالحمل كي أنجب ذكرًا، رفضت فالرضيعة بحاجة لرعاية، لكنه أصرّ لأنه يريد ذكرًا، خضعت لرغبته هو وعائلته فأنجبت أنثى ثانية وما كان منه إلا أن أجبرني على حمل ثالث بمجرد انتهاء مرحلة النفاس”.

لم تتحمل “داليا” الضغوطات التي تعرضت لها من قبل الزوج وعائلته، فذهبت إلى عائلتها التي حمّلتها المسؤولية وطلبوا منها العودة لرعاية بناتها وزوجها وطاعته وإنجاب ذكر له!! هنا أدركت “داليا” أن هوس إنجاب الذكور حتمًا لن يترك لها خيارًا.

ففي مجتمع تقليدي مثل المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة الذي يحاصره الاحتلال الإسرائيلي منذ 17 عامًا، يُنظر إلى الابن الذكر على أنه وريث اسم العائلة وحامل اسم أبيه والذي يستند إليه عند الكِبر، لا خيارات، أما البنات فهن “همٌ حتى الممات” هكذا يقول المثل الشعبي، رغم أن النساء يشكلن 49.2% بينما يشكل الذكور 50.8%.

أُجبرت “داليا” على العودة وللمرة الرابعة حملت والجنين أنثى، فما كان من الزوج إلا أن عقد قرانه على فتاة بدعوى أنها ستنجب له ذكرًا، وعاشت السيدة معاناة وجود “ضرة” ما تسبب في تدهور حالتها النفسية خاصة أن الجميع تركها وحيدة، تعقّب: “ذنبي أنني أنجبت إناثًا”.

قصة أخرى تعيشها الشابة “أماني” وهي من عائلة مرموقة وتحمل شهادة علمية، تزوجت بشاب يحمل شهادة عليا بعد قصة حب تكللت بالزواج، أنجبت ثلاث بنات وهنا كشر الزوج عن أنيابه فهو يريد ذكورًا، وبدأت جولات مكوكية إلى الأطباء.

تروي “أماني” لمركز الإعلام المجتمعي: “بعد الطفلة الأولى بدأت الركض إلى الأطباء بطلب من زوجي وعائلته، كانوا يطلبوا مني تغيير أصناف المأكولات التي آكلها واستخدام غسول معينة وكلها باءت بالفشل، حتى أنجبت ثلاث بنات وهنا أصرّ زوجي على إنجاب ذكور من خلال عملية زراعة وفعلًا حملت بتوائم وكانت فرحة البيت عارمة كأنني لم أنجب أصلًا”.

خلال حملها تعرضت “أماني” لأزمة صحية فطلب الطبيب إجهاض الحمل إنقاذًا لحياتها، لكن الزوج وعائلته رفضوا، تقول “أماني”: “قال لي لو كانوا بنات لوافقت، لكن ذكور ولا يمكن أضحي بهم”.

أنقذ الطبيب حياة “أماني” التي أنجبت في النهاية طفلين، لكن غصّة قلبها ما زالت قائمة، فهي عانت على مدار سنوات ضغوطًا نفسية هائلة بشكل شبه يومي، لأن العائلة تريد ذكورًا لو لم تلدهم لبقي العنف ملازمًا لها.

طبيبة النساء “دينا عياد” من جمعية رعاية المريض الخيرية تتردد عليها الكثير من الحالات لنساء يعانين ضغوطات نفسية أثناء الحمل نتيجة رغبة العائلة في إنجاب ذكور.

تقول “عياد”: “بشكل دائم تأتي نساء يرغبن في إنجاب ذكور استجابة لرغبة عائلاتهن، ويكونوا عادة في حالة نفسية سيئة، يسألن عن كيفية إنجاب ذكر وعن نسبة النجاح والفشل وأي الطرق أنجح وأسلم، وعادة يكونوا خائفات جدًا، أحاول طمأنتهن وتذكيرهن بأن جنس المولود يحدده الذكر هناك الكثير من الناس يتمنون نعمة الإنجاب بغض النظر جنس المولود”.

وتتابع إن الحالة النفسية التي تعيشها النساء ناتجة عن عدم تقبل العائلات لعدم إنجاب ابن ذكر، مشيرة إلى أن العلم توصّل إلى طرق تساهم في تحديد جنس المولود، عبر نظام غذائي معين وتحديد فترة التبويض، أو عملية الزراعة وهي عملية مكلفة، لكن هناك عائلات تلجأ لها لرغبتهم في إنجاب ذكور.

الأخصائية “جواهر بركات” من جمعية عائشة لإنقاذ المرأة والطفل تقول:” تبعًا للعادات والتقاليد الشرقية، فالعائلات ترغب في إنجاب ابن ذكر وتفضيلهم له باعتباره يحمل اسم العائلة، وأن الفتاة تحمل نوعًا من العار في حال تعرضت للتحرش وهي تشكّل قلق دائم للعائلات بخلاف الذكر الذي يعتبروه أمانًا للعائلة”.

هذه النظرة التي تشكّلت عبر الموروث الاجتماعي تؤثر على السيدات اللواتي ينجبن إناثًا، فحتى المتعلمات منهن واللواتي يعرفن تمامًا أننا بتنا في القرن العشرين، يحتكمن غالبًا للموروث الثقافي، حسب بركات.

تضيف: “هناك سيدات أنجبن فتيات وذكرًا واحدًا يعتبرن أنفسهن لم ينجبن، ويحاولن إنجاب المزيد من الذكور، ورغم الحالة النفسية التي تعانيها المرأة المنجِبة، سواء من زوجها أو من المجتمع، فهي تُسقِط هذا العنف على بناتها، وتشعر دائمًا بعدم الرضا والسعادة لوقوعها تحت تأثير الضغوطات الاجتماعية”.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع “تحسين مستوى الحماية للنساء والشباب من العنف القائم على النوع الاجتماعي – مساحاتُنا الآمنة” الذي ينفذه مركز الإعلام المجتمعي بالشراكة مع مؤسسة تير دي زوم – سويسرا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى