عبير ضحية تسلط والدها وجهلها القانوني.

غزة_CMC_هيا بشبش

كعادتها استيقظت “عبير” مبكراً للذهاب إلى المدرسة، ارتدت زيّها، وأحكمت وضع حجابها، حملت حقيبتها المدرسية متوجهة إلى باب البيت، حينها سمعت الصاعقة، كان والدها يتفق مع أحدهم على زواجها، ويقرأ الفاتحة معه، لم تتحرك عبير في البداية ولم تصدر عنها أي ردة فعل حتى الخمس دقائق الأولى ، ثم يخرج صوتها بالاعتراض ليخترق مسامع والدها وينتهي المشهد بضربها بعنف.

عبير( 25 عاماً)، تسكن في مدينة غزة، أُجبرت على زوجها الأول وهي في سن الخامسة عشر عام، لتُطلّق بعد مرور عام  على زواجها، ثم يجبرها والدها على الزواج للمرة الثانية وهي في سن السابعة عشر، وقد سجلت الإحصائيات أن فلسطين شهدت  19 ألف حالة زواج تحت سن 19 سنة من أصل 43 ألف حالة زواج لسنة 2014 بحسب المركز الفلسطيني للإحصاء .

بصوت مرتجف تقول عبير : “والدي هددني بالقتل إن لم أوافق على زواجي الأول, وافقت خوفاً من الموت، رَحلتّ أحلامي بإكمال دراستي، تزوجت وبدأ زوجي يضربني بكل ما تطاله يده، ذهبت لمنزل والدي وطلبت الطلاق من زوجي، ولكن اكتشفت أني حامل فعدت بعد 12 يوم إلى بيت زوجي ” .

تضيف : “تنازلت لأجل طفلي الأول الذي كان ما يزال في أحشائي، ولكني لم أستطع احتمال ضرب زوجي وإخوته البنات الذين أصبحوا يشاركونه الضرب، قررت حينها العودة والإصرار على الطلاق حتى نلته  بعد سنة “.

في عمر 16 أصبحت عبير أم لطفلة تقول : “بعد 40 يوم من الولادة ذهبت للعيادة للكشف الدوري ولتطعيم طفلتي، وعند خروجي من باب العيادة ظهر طليقي فجأة وخطف طفلتي ورحل بسرعة، كنت برفقة والدتي ولم نستطع أن نفعل شيء، لم أتوقف عن البكاء حينها”.

أكملت حديثها والدموع تنساب بمرارة من عينيها : “ذهبت للشرطة وقدمت بلاغاً ، ليُسجن، وتَكَبُرّ المشكلة، هددني والدي مرة أخرى وطلب مني التخلي عن طفلتي، ولكن بعد تدخل المخاتير والمحكمة، عادت لي طفلتي بعدما رأي القاضي أنها لازالت رضيعة وفي سن حضانة الأم”.

اشترط أهل طليق عبير عند عودة طفلتها لها، أن تتنازل عن جميع حقوقها، فتنازلت راضخةً : “أردت أن أحمي طفلتي وأن تعيش في كنفي، ولكنهم اشترطوا أيضاً في حال تزوجت مرة أخرى تعود الطفلة لهم، ووافقت مستبعدة جداً فكرة زواجي، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن”.

أُجبرت عبير للمرة الثانية على الزواج تقول : “لن أسامح والدي على ما فعله بي مع أنني أرى الندم في عينيه أحياناً، أجبرني على الزواج مرة ثانية وفي يوم عقد القران عدت إلى المنزل ولم أجد طفلتي، تراجعت عن الزواج وطلبت الطلاق ولكن خطيبي وعدني بأن يرجعها لي”.

تضيف: “حاول كثيراً ولكنه فشل في النهاية، لم أكن أعلم بأن القانون يعيد لي حضانة طفلتي مع وجود التنازل، وأن الحضانة تعود لوالدتي في حالة زواجي، ليتي كنت أعلم، مازالت في قلبي قطعة مفقودة حتى الآن بسبب عدم رؤيتي لطفلتي التي لا أعلم كيف شكلها الآن”.

تبلغ طفلة عبير الآن 11 عاما، لم ترها والدتها إلا في السنة والنصف الأولي من عمرها حينما كانت في حضانتها، أنجبت عبير من زوجها الثاني ولدان وبنت، وبعد 5 سنوات من زوجها عادت عبير لمنزل والدها تقول : “زوجي كان يعاملني معاملة حسنة إلا أن أمه كانت تضربني باستمرار وتهينني وتشتمني بألفاظ سيئة  تحملت في بداية زواجي لأجل زوجي ولأنه كان يحاول أن يخفف عني ما تفعله بي والدته”.

تتابع: “كان يحبني لكنه ضعيف الشخصي أمام أمه التي تمادت كثيرا في الفترة الأخيرة، وأقنعته بأن يتزوج للمرة الثانية، قررت أن لا أحتمل هذا الوضع المهين وطلبت الطلاق”.

من جانبها أوضحت الأخصائية الاجتماعية أمل بهادر أن جميع أنواع العنف مؤلمة على المرأة إلا أن أشدها تأثيراً على النفس والصحة والجسد هو العنف الجسدي والذي يؤثر عليها بشكل سلبي ويؤثر أيضاً على شخصية المرأة فيؤدي بالغالب إلى ضعف الشخصية وتدني مستوى الذات ويؤثر على قراراتها وعلاقتها الاجتماعية وطريقة تربية أطفالها والتي في الغالب تسقط عليهم العنف الذي تتعرض له”.

وأكدت بهادر أن من أكثر مسببات العنف الجسدي هو الزواج المبكر، البيئة والمحيط، إجبار الفتاة على الزواج، عدم التوافق الثقافي والتعليمي والفكري بين الزوجين، المعتقدات الخاطئة، وتدني مستوى التعليم، زواج الأقارب .

عبير مازالت معلقة للسنة الثالثة تنتظر قرار طلاقها من زوجها الثاني، ومازال يكرر والدها الخطأ عينه ويحاول اقناعها أن تتخلى عن أولادها مقابل طلاقها، ولكن هذه المرة لم تخضع له، فهي الآن تعلم أن من حقها الاحتفاظ بحضانة أطفالها، وهي أيضاً بانتظار أن ينصفها القضاء.

** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى