“دعاء” رغم معرفتها بالقوانين, تُحرم التصرف براتبها

غزة-CMC– ميساء جبر

ركل الباب بقدمه, اقتحم غرفة النوم, بعثر الملابس في خزانة زوجته, وجد هدفه وقبضت كفه على مقدار من الدولارات, ليخرج مسرعاً وسط نداءات زوجته بالتوقف والاستجابة لاستفساراتها, ولكن عنف ارتطام باب الشقة نبهها لخروجه حاملاً معه ما تبقي من راتبها الشهري.

“دعاء”27 عام من سكان مخيم جباليا في قطاع غزة موظفة تعمل في إحدى المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” لا تملك حق التصرف بمالها الذي تجنيه بعد أن يُرهق جسدها يومياً جراء الوقوف لست ساعات متواصلة, تقول:” مع بداية كل شهر وتزامناً مع موعد الراتب لابد من حدوث مشكلة بيني وبين زوجي, فراتبانا نحن الاثنان تذهب في الهواء دون الاستفادة منها”. مضيفةً :” هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن زوجي يعطي المال لإخوته أو غيرهم بحجة أنها ديْن ولكنها لا ترجعْ”.

واستطاعت “دعاء” إكمال تعليمها الجامعي بعد معاناة شديدة لسوء الأحوال الاقتصادية التي تعيشها أسرتها, وبعد التخرج ارتبطت  بشاب متعلم مثقف”, مضيفة:” بعد أقل من الستة أشهر أصبحت موظفة رسمية بالدولار كما يطلقون على كل من يعمل لدى “الأونروا” .

“دعاء” المتعلمة المثقفة كما تعتبر نفسها ترى أنها تتعرض لعنف اقتصادي من قبل زوجها تقول:” أنا فتاة جامعية لدي معرفة تامة بحقوق المرأة وواجباتها الزوجية, قرأت العديد من الأحاديث النبوية, واطلعت على القوانين التي تكفل حقوقي”, مؤكدة أن راتبها الشهري من حقها التصرف فيه كيفما تشاء.

وبحيّرة وقلة حيلة تقول: “يجنّ جنوني ولا أعرف كيف أتصرف عندما يطلب زوجي مبلغاً من المال دون إعطائي سبباً عن ماهية صرفه إياها سوى قوله “احتاجهم لأمر طارئ” ” متابعة:” لا أتمالك نفسي عندما أرى نقودي تذهب سُداً دون جدوى وتبدأ أصواتنا بالعلو, وتتسع المشكلة لأن لا يُحادث أحدنا الآخر لمدة قد تتجاوز الثلاث أيام”.

“الموظفة في قطاع غزة يسعى الجميع لاستغلالها فهم يظنونها بأنها تخفي الكنوز من خلال الراتب الذي تتقاضاه” حسب رؤية دعاء مضيفةً :” يستطيعون معرفة راتب كل مدرسة ومتى تذهب لاستلامه ولكنهم لا يأخذون بعين الاعتبار الجهد والتعب الذي تبذله إضافة لساعات العمل التي تقضيها في المنزل من مراجعة ملفات الطالبات وتحضير الدروس وإعداد الامتحانات وغيرها, منكرين لأحقيتها في الاستمتاع بمالها”.

وتتابع :” ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فعائلة زوجي أيضاً تحاول استغلالي, فتطلب مني سلفتي مبلغاً من المال على أساس أنه ديْن مُقسمةً بالأيمان إعادته بأقرب فرصة ومن خلفي تقول “لن أُرجع العشرون شيكل موظفة وكالة لا تحتاجها” مع العلم بأن وضعها المادي ممتاز, مضيفة:” في بداية زواجي كنت أخجل من المطالبة بمالي ولكن بعد أن تأكدت من أن الأمر أصبح عادة لديها صرت أطالب بإعادة الدين”.

وحول الموضوع أكدت الأخصائية النفسية سمية كرسوع أن العنف الاقتصادي هو إحدى نتائج الوضع الاقتصادي المتردي للزوج، ونتاج ثقافة المجتمع والبيئة التي تسمح وبكل سهولة للرجل بالتحكم في أموال زوجته، ونعتها بألفاظ سيئة إن رفضت ذلك أو اعترضت، موضحة في غالب الأمر النساء العاملات أو اللواتي يتقاضيّن مساعدات بشكل مستمر هن الأكثر عرضة للعنف الاقتصادي.

وقالت كرسوع :”الدين الإسلامي يفرض على الزوج التكفل بمصاريف زوجته وأسرته بشكل كامل، ويعطي الزوجة الحق الكامل بالاحتفاظ بالراتب”  مضيفة: “طريقة تعامل الزوج مع الزوجة بالغالب تكون تسلطية وفي بعض الأحيان العنف الاقتصادي يؤدي إلى تسلسل في أشكال العنف الأخرى ويكون نقطة البداية .

“دعاء” المطلعة على حقوقها لم تستسلم لسيطرة زوجها على مالها ولكنها تجهل طريقة التنفيذ تقول:” الموضوع محرج خاصة وأن زوجي ليس سيئاً ومشاكلنا تنحصر في مشكلة المال, فتأخذني الأفكار إلى أن أُبقي الراتب في البنك, وتارة أخرى فور انتهاء الصدام بيني وبين زوجي أتخيل نفسي أحرق الأموال, مؤكدة أن الأمر اختلف الآن فهي بعد فترة من العلاج حامل بتوأم وأموالها من حقها وأطفالها, وستحاول بشتى الطرق الحفاظ عليها من أجل تأمين حياتها وحياة أطفالها الذين سيُقبلون على الحياة بعد أقل من 4 أشهر. مضيفة :” على الأقل في هذه الفترة سأودع جزءا من الراتب في البنك وجزء آخر سأتمتع به وأهتم بنفسي, كما أنني الآن أقوم بالتجهيز لطفلين, وفي المرحلة المقبلة سأعمل على استثمار أموالي في أي مشروع صغير.

وقد بينت نتائج المسح الذي أجراه مركز الإحصاء المركزي للعام 2012 بعنوان ” المرأة والرجل قضايا وإحصائيات” ان 88.3% من النساء في قطاع غزة  يتعرضن للعنف الاقتصادي من قبل أزواجهن, و55.1% من النساء في فلسطين يتعرض له مع ملاحظة ارتفاع واضح في مستوي العنف بشكل في قطاع غزة ويمكن ارجاع هذه الزيادة إلي الظروف السياسية والاجتماعية التي تعيشها غزة نتيجة الحصار المتواصل والانقسام وما نتج عنه من أثار اقتصادية واجتماعية أثرت على مستوى الحياة من كافة النواحي.

** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى