مريم : ” مساعدة المؤسسات النسوية أنقذتني من الجحيم”
غزة_CMC_خديجة مطر
منذ نعومة أظافرها, كانت كلما ذهبت برفقة والدتها غلى أحد الأفراح, يبهرها الفستان الأبيض, وجمال العروس فيه, وبسذاجة الطفولة كانت تتمنى أن تكون عروساً في يوم ما, حتى تحقق حلموها العفويّ وهي في عمر الطفولة, فظنت أن السعادة وكل ماحلمت به يوماً سيتحقق.
مريم “21عاماً”، ظنت أنها بمجرد زواجها ستنتقل لحياة الدلع والمرح مع زوجها، ولصغر سنها في ذلك الوقت لم يخطر ببالها حجم الأعباء التي ستُلقى على عاتقها, ولم تكن تعي معني أن تكون زوجةً, ومدبرة بيت تهتم بتفاصيل كل أموره, ولم تعي معنى الحياة الزوجية والعلاقة بزوجها.
تستذكر مريم بداية زواجها، وتقول “لم يكن في حسباني المسئوليات التي ستلقى على عاتقي بمجرد زواجي، فبدأت معاناتي بعد زواجي بأسبوعين، وبدأت الأعباء والمسؤولية تُلقى علي كاهلي الضعيف, فكانت الضربات والاهانات من زوجي تأتيني من كافة الاتجاهات، ولم أدري ما أفعل”.
تدمع عينا مريم وتكمل سردها لما حدث معها، “كنت استيقظ كل صباح على ضرب مبرح من زوجي، وأمسي بإهانة, كان تعنيفه لي متكرراً, وكانت آثاره واضحةًعلى جسدي، ء وحمراء وكدمات متدرجة الألوان, فقدت لون بشرتي الصافي الذي كان قبل زواجي”.
خوف مريم من زوجها, أبقاها صامتة, لا تجرؤ على إخبار أهلها بما يحدث معها يومياً، حتى رزقت بعد أقل من سنة على زواجها, بطفلها البكر، وتقول “بعد أن رُزقت بطفلي محمد حاولت الصبر على الإهانات المتكررة، وعلى أسلوب زوجي المهين لشدة خوفي على طفلي الصغير من الطلاق وأن يأخذه مني، وخوفي من نظرة المجتمع الظالم للمرأة المطلقة, إضافة إلى اعتقادي بأنه يوماً ما ستتغير معاملة زوجي لي وخاصة بعد ولادتي”.
تتابع مريم الحديث عن مأساتها: “بعد سنة ونصف من زواجي لم أستطع البقاء معه أكثر، وقررت الانفصال، ذهبت الي منزل أهلي، وجلست مع والدي أحدثه عن كل ما يحصل معي، ولكني تفاجأت بوالدي الذي هاجمني وقتها وضربني بقوة، ومن ثم أخذني وأرجعني لبيت زوجي، تكرر هذا الأمر أكثر من خمس مرات مدة زواجي الممتدة لأربع سنوات “.
في الأربع سنوات رُزقت مريم بثلاثة أطفال، ولم تجد خلالهم من يقف معها ويسندها ويدافع عن حقها، وكانت قد طُلقت خلال تلك السنوات مرتين, وفي كل مرة كان والدها يعيدها إلى زوجها, تقول “أربع سنوات عانيت فيها من العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي مع زوجي، وكنت أنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي أحصل فيها على حريتي”.
تمسح مريم دموع عينيها وتبتسم ابتسامة صغيرة، وتقول “أخيراً جاءت اللحظة الموعودة، فإذا بزوجي يرمي يمين الطلاق الثالث، هنا تقبلت الأمر بارتياح شديد، وتأكدت أنني لن أعود ثانية له”، ولكن لم تكتمل سعادتها بذلك الطلاق الموعود، فعندما عادت هي وأطفالها لمنزل والدها بدأت مرحلة جديدة من المعاناة متمثلة باعتداء والدها عليها بالضرب والشتم المتكرر.
تتابع مريم حديثها: “بدأت رحلة عذابي الجديدة مع أهلي وفي منزل والدي، عندما تجددت مرحلة الضرب يوماً بعد يوماً، إضافة إلى رفض طليقي إرسال نفقة أولادي, الأمر الذي جعل والدي يعتبرني عالة عليه أنا وأطفالي، وحاولت أن أتحدث مع أحد كبار العائلة دون جدوى”.
وفي يوم سمعت مريم من إحدى صديقاتها عن مؤسسات تدعم المرأة وتقف معها في مواجهة العنف الذي تواجهه، وبالفعل توجهت لإحدى المؤسسات التي قدمت لها الدعم النفسي والقانوني المجاني، وتقول “استطعت من خلال المؤسسة إجبار والدي توقيعه على تعهد بعدم تعرضه لي بأي اعتداء جسدي أو لفظي أو نفسي، وتم إلزام طليقي توفير حياة كريمة لأطفالي من خلال دفعه للنفقة القانونية لنا”.
لم تتوقف حياة مريم الى هنا، بل قامت بإنشاء مشروع صغير خاص بها، استطاعت من خلاله أن تحسن دخلها وتأمن مستقبلاً أفضل لأطفالها، حرصاً منها على اثبات وجودها ودورها في المجتمع، وتقول “الحمد لله من خلال دعم المؤسسة استطعت أن أغير حياتي للأفضل, وأن أنجو من جحيم العنف، كما أنني استطعت أن أجد شخصيتي الخاصة من خلال مشروعي واثبات نفسي بعملي”.