نادين.. أمومتها دفعتها لتحسين واقعها.
غزة_CMC_أمال الجيّار
في غرفةٍ صغيرة، بسيطة الأثاث، عقارب الساعة تدق واحدة تلو الأخرى، تجلس نادين ذات الــ 38 عاماً، وهي معلقة “زوجها يهجرها دون طلاق”، لديها خمسة من الأبناء، أكبرهم 24 عاماً وأصغرهم 8 أعوام، أرهقتها الحياة بمتطلباتها المتواليات بلا رحمة، لتقوم بدول الأب المعيل للأسرة والأم الحنونة على أبنائها، تقول: “تزوج زوجي زوجة ثانية بالخفية عني، وعلمت بعد ذلك بمحض الصدفة، وعندما أنجبت ضرتي توأمين أحدهما معاق، هجرني زوجي ولم يعد يعلم عنا شيء، لأقوم وحدي بدور معيل الأسرة وأنا لا أمتلك عملاً”.
تتوه نادين في شباك الحياة المعقدة والمغزولة بخيوط الاستبداد التي فُرضت عليها وجعلتها فريسة سهلة لأسرة الزوج، وتقول: “استغل أخ زوجي غياب أخيه عني، ليسلط ابني الأكبر عليَّ محاولاً منعي من الخروج من المنزل، مدعياً خوفه من كلام الناس، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه ليتطاول عليًّ أبنائي ويضربونني”.
اضطرت نادين لترك بيت زوجها وأبناءها الثلاثة الكبار بسبب معاملتهم لها، ولجأت لبيت أهلها مع طفليها الصغيرين، فلم يكن انتقالها إلى بيت أهلها والمكوث فيه أكثر من أربعة أعوام أفضل بكثير، فمعاملتهم لها لم ترقى للمعاملة الآدمية، لتتساوى معاملة أهل زوجها وأبنائها و أهلها لها، و تعود وحيدة إلى نقطة البداية.
معاملة أهلها لها جعلتها تسرح قليلاً لتنهمر دموعها أثناء روايتها لطريقة معاملتهم، وتكمل حديثها: “كنت أشعر بالذل والاهانة في بيت أهلي، فلم يخصصوا لي غرفة أنا وأبنائي الصغار، وأصبحت غرفة الضيوف في بيتهم هي ملاذي، مكان نومي وغرفة تدريس أبنائي الاثنين، ولم أجد مكان أضع فيه ملابسي، وفي حال جاء ضيف أهِم بالخروج من الغرفة باحثة عن الاستقرار والراحة في أي مكان بالبيت”.
لم تتوان نادين في بذل أقصى جهدها لاسترداد حقها، حاملة بجعبتها قضيتان أولهما قضية هجر زوجها لها، والأخرى قضية تعليق، لتكسب الحكم فيهما أوائل العام 2014 أي قبل العدوان الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وينفذ الحكم بعد أربعة شهور أو يزيد.
تذمر والدتها من أبنائها الصغار اللذين يرافقونها في سكنها في بيت أهلها، مما اضطرها لإرسالهم عند باقي أخوتهم، من أجل اسكات أهلها، ولم تنتهي معاناة نادين هنا، فمع بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، اشتعل في داخلها حنين الأمومة والخوف على أبنائها رغم ما عانته من سوء تصرفاتهم معها.
ورغم كل ما فعلته نادين، وما تعانيه بداخلها من ذل وخوف وحنين لأبنائها، إلا أنها لم تنتهي من عذاب أهلها، وتقول: “ازدادت وتيرة المشاكل بيني وبين أهلي، فأضربت عن الطعام مدة خمسة أيام متتاليات، وهممت للنوم على سطح البيت، وبقيت على هذا الحال إلى أن أعدت أولادي إليّ بعد أسبوع”.
لم تحظى بفرحة عودة أبنائها بعد، فظلم الأهل استمر بملاحقتها دون أدنى رحمة أو شفقة على حالها، وتتابع: “منعت من الذهاب عند أولادي الكبار أو المكوث عندهم من قبل أهلي، إضافة إلى تصاعد المشاكل من قبلهم حينما أخرج من البيت لأتتبع قضاياي في المحكمة من نفقة الأولاد ومتأخر”.
استمرت نادين على هذا الحال لأكثر من ستة أشهر، حتى بدأت تفكر بطريقة تجلب لها الاستقرار مع أبنائها بعيداً عن أسرتها وأسرة زوجها، وتقول: “لم أبقى منتظرة الموت بسبب ما أعانيه، فرفعت قضية طلاق ولازلت أنتظر الحصول عليه، وسعيت لأكونّ حياتي من جديد وأنقذ أبنائي من مصير مجهول، فبدأت في وضع خطة لحياتي، وبدأت في عمل مشغولات يدوية، وبعتها لمحل خاص بالمشغولات اليدوية، فحققت أول انجاز، واستأجرت بيت صغير يأويني أنا وأبنائي”.
** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)