كيف حال التعليم الجامعي تحت الإبادة؟

كيف حال التعليم الجامعي تحت الإبادة؟

غزة- هديل الغرباوي:

“دراستي كانت تحت النار حرفيًا، عانيت كثيرًا بسبب القصف المستمر، نزحت قسرًا من بيتي في حي النصر غرب مدينة غزة حتى منطقة النصيرات وسط القطاع، الدراسة لم تكن أمرًا سهلًا”.

هكذا وصفت الشابة داليا أبو سعدة (22 عامًا) تجربة دراستها الجامعية خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي شنتها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023م، وأجبرت الفلسطينيين على النزوح من مدينة غزة وشمال القطاع إلى وسطه وجنوبه، ما دفع الجامعات إلى التعويض من خلال الدراسة الالكترونية، التي لم تكن تجربة سهلة على المحاضرين ولا الطلبة.

تقول داليا التي تدرس طب الأسنان في جامعة الأزهر: ” كان هناك انقطاع مستمر في شبكة الانترنت، تسبب في صعوبة متابعة المحاضرة وإجراء البحوث المطلوبة، حتى الآن لا أعلم مصير دراستي في ظل استمرار الحرب”.

وتؤكد داليا أن الدراسة الجامعية بحاجة إلى استقرار نفسي واجتماعي، وأن يعيش الإنسان آمنًا في بيته، يستطيع شحن جهاز الحاسوب وتحضير كتبه وأوراقه العلمية بشكل مستمر، لكن هذه الأمور غير متوفرة خلال الحرب.

تقول داليا: “حين نزحنا من بيتنا ظننت الأمر فترة بسيطة، لكن النزوح طال، أنا في السنة الخامسة من تخصص طب الأسنان، عانيت من أجل إعداد التكليفات المطلوبة، انعدام الانترنت جعلني مضطرة للسير مسافات طويلة بحثًا عن نقطة انترنت بقوةٍ جيدة لمواصلة دراستي”.

في قطاع غزة الخاضع للحرب منذ 7 أكتوبر 2023م، يعيش طلبة الجامعات صراعًا يوميًا من أجل مواصلة التعليم في ظل نزوحهم المستمر، وفقدان الكثيرين منهم لممتلكاتهم الشخصية ومن بينها كتبهم الجامعية، وبحثهم المستمر عن نقاط انترنت تمكنهم من مواصلة الدراسة.

وفي الحرب اضطر نحو 88 ألف طالبة وطالبًا إلى تعليق دراستهم الجامعية، وأصبح مستقبلهم الأكاديمي في مهب الريح، كما دمر الاحتلال خلال الحرب خمس جامعات داخل قطاع غزة من أصل 6 جامعات، وألحق أضرارًا بنسبة 75% من البنى التحتية وقتلت ما يزيد عن 600 طالبة وطالبًا جامعيًا، ونحو 100 من محاضري الجامعات.

الطالب أحمد الغول (20 عامًا) يدرس تخصص آداب اللغة الإنجليزية، لم ينزح إلى جنوب قطاع غزة حين أجبر جيش الاحتلال السكّان على ذلك، وآثر مع عائلته البقاء في بيتهم.

يقول أحمد:” استمرار الحرب حرمني من مواصلة التعليم بشكلٍ طبيعي، فلا يوجد كهرباء ولا انترنت، ولا حتى منزل، إلى جانب المجاعة المستمرة وغلاء الأسعار الفادح في كل ما يتعلق بالخدمات التعليمية، من طباعة أوراق أو تصليح للهواتف النقالة، هذا كله شكّل عائقًا أمام مواصلتي لمسيرتي التعليمية، واضطرني إلى تعليق الدراسة حتى تتحسن الأوضاع”.

“الدراسة الجامعية بحاجة إلى حالة نفسية جيدة، حلمت كثيرًا بالسفر خارج قطاع غزة لمواصلة تعليمي، لكن هذا كله بات مستحيلًا في ظل استمرار الحرب، والنزوح الدائم والاستهدافات المتواصلة دون أدنى استقرار”، يختم أحمد.

ويخالف ما تعرّض له الطلبة والتعليم الجامعي في قطاع غزة المادة (142) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحدثت عن توفير التسهيلات لزيارة الأشخاص المحميين وتوزيع مواد إغاثة وإمدادات لأغراض تعليمية أو ترفيهية أو دينية.

حاوَلت الكثير من الجامعات طرح العديد من البدائل في ظل استمرار الحرب، مثل تعزيز التعليم عن بعد عبر منصات تتطلب اتصالًا بالإنترنت، وتوفير مراكز تعليم مجتمعية في المناطق التي تشهد نوعًا من الاستقرار، ودعم التعليم من خلال ورشات عمل ومبادرات تطوعية، لكن كل هذا واجهته العديد من المعوقات.

تقول د.منوّر نجم، وهي أكاديمية ومحاضرة جامعية :”واجهت الكثير من المعوقات أثناء عملي الأكاديمي من أجل التواصل مع الطلبة، انقطاع الانترنت بشكل مستمر، وانعدام الكهرباء، والحالة النفسية السيئة للجميع، فالعمل الأكاديمي يتطلب تركيزًا كبيرًا، إلى جانب نزوح الطلاب والأساتذة، ما تسبب في عدم انتظام العملية التعليمية”.

وعانت نجم ذاتها من ظروفٍ صعبة خلال الحرب، فقد استشهد زوجها في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014م، وبقيت وحدها ترعى ستةَ أبناء، وعندما اندلعت حرب 2023م، آثرت البقاء في مدينة غزة وعدم النزوح إلى جنوب القطاع، والالتزام بعملها الأكاديمي قدر الإمكان.

تكمل: “لم أنقطع عن طلابي، راعيت الفروق الفردية بينهم لمساعدتهم على التكيّف مع الوضع النفسي الذي تسببت به الحرب، حاولت استخدام أساليب تدريس مرنة، مثل تعديل المواعيد والتقييمات البديلة، خلال النزوح مررت بتجارب صعبة، أحيانًا لم أجد قلمًا لأكتب، أو ورقة أخطّ عليها ما أريد، لم يكن من السهل إيجاد المستلزمات التعليمية لكنني استعرت من جارتي بعض ما يلزم، إلى جانب أني كنت أقود خيمة تعليمية تحت النار”.

أما الأكاديمي حسن النبيه الذي يدرّس اللغة الإنجليزية، في الجامعات الفلسطينية فقد تعرض منزله للقصف الإسرائيلي خلال الحرب، وعاش معاناة النزوح أكثر من مرة.

يقول النبيه: “أحببت عملي كمحاضر، لكن بسبب الدمار الواسع للمباني وانقطاع الكهرباء وصعوبة توفر خدمة الانترنت، لم أتمكن من تقديم أي محاضرة وجاهيًا أو حتى عن بعد خلال الشهور العشر الأولى للحرب، ولكي أفحص بريدي الالكتروني كنت أضطر للمشي مسافة طويلة أو ركوب دراجة هوائية كي أشتري تذكرة توفّر خدمة الانترنت بسرعة جيدة”.

يتابع: “أعمل حاليًا على تسجيل المحاضرات لمساقاتي الدراسة على موقع يوتيوب، وأثناء الحرب كنت أتواصل مع طلابي قدر الإمكان، نحن الأكاديميون يقع علينا مهمة دعم الطلبة، وتعزيز قدراتهم والتكيف مع ظروفهم، هذه المرحلة صعبة لكن التعليم الفلسطيني سينهض من جديد”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى