حقوق مع وقف التنفيذ … وأمومة محاصرة تحت نيران الحرب وتعطل العدالة .
حقوق مع وقف التنفيذ … وأمومة محاصرة تحت نيران الحرب وتعطل العدالة .
غزة، هند محمد أبو مغصيب
منذ أن تعطّلت منظومة القضاء إثر العدوان الإسرائيلي على غزة، بات الوصول إلى المحاكم حلمًا بعيد المنال، وأصبحت حقوق النساء، لا سيما المطلقات وذوات الإعاقة، رهينة الفراغ القانوني والتهميش المجتمعي. وأمام مشهد الدمار وغياب العدالة الرسمية، تتحول المطالبات إلى مناشدات، وتبقى العديد من الأمهات في انتظار حكم لن يُصدر، وعدالة قد لا تأتي.
وفي الوقت الذي تناضل فيه النساء من أجل حقوقهن في الحضانة أو النفقة أو المشاهدة، فإن الإجابة غالبًا ما تكون: “المحاكم متوقفة.. ولا حلول قانونية في الوقت الراهن”.
في قلب غزة، حيث تتشابك الحرب مع تفاصيل الحياة اليومية، تعيش سيدة كفيفة تجربة مؤلمة تجسّد معاناة كثير من الأمهات المطلقات في ظل غياب القانون. (أ.س)، 28 عامًا، بدأت تفقد بصرها بعد ولادة ابنتها، لكن ذلك لم يمنعها من احتضان طفلتها بحب وإصرار. بعد أربعة أشهر فقط من الولادة، انفصلت عن زوجها، ومع أن القوانين الشرعية تمنح الأم أولوية الحضانة في مثل هذه الحالات، إلا أن الواقع حول الحق إلى أمنية .
تقول:”كنت أعيش على أمل أن أستعيد بصري يومًا ما، وأتمكن من رؤية ابنتي واحتضانها مجددًا. لكن الأمور تعقّدت، واضطررت إلى اللجوء للوساطة لرؤية ابنتي مرة كل شهر .”ومع اندلاع الحرب، غادر الوسيط القطاع، ما جعل التواصل أصعب.
ولجأت (أ.س) إلى محامية تعرفت عليها بمؤسسة تقدم دعمًا نفسيًا للنساء، لتقوم بدور الوسيط الجديد. وتقول: “اتفقنا على أن أتحدث مع ابنتي عبر الهاتف مرة شهريًا، بحجة أن الوضع الأمني لا يسمح بالتنقل، وكنت أوافق خوفًا على سلامتها، لكن قلبي يتوق لرؤيتها واحتضانها. أعيش على أمل أن يأتي يوم نعيش فيه معًا دون حواجز.”
قوانين تميّز.. وعدالة غائبة
توضح المحامية الشرعية مها العجلة أن بعض التعميمات المطبقة في المحاكم الشرعية في غزة تنطوي على تمييز واضح ضد المرأة، خاصة في مسائل الحضانة. تقول :” ُتسقط الحضانة تلقائيًا عن الأم إذا تزوجت من أجنبي عن المحضون، بينما لا تُسقط عن الأب في حال تزوج. كذلك، تُفرّق القوانين في الشروط بين الأم الحاضنة والرجل الحاضن، دون مراعاة مصلحة الطفل الفضلى.”
وتضيف العجلة أن الأحكام المتعلقة بالنفقة لا تضمن بقاء الطفل في ذات المستوى الاقتصادي والاجتماعي الذي اعتاد عليه، مما يؤدي إلى معاناة مزدوجة للأم والطفل بعد الانفصال.
أزمة اجتماعية تحت الحصار
من جهتها، تقول الأخصائية الاجتماعية سمر محمود إن النزاعات الأسرية في قطاع غزة، خصوصًا بعد الطلاق، أصبحت أكثر تعقيدًا بسبب غياب الحماية القانونية.
“الكثير من النساء يفقدن القدرة على الحفاظ على علاقتهن بأطفالهن بعد الطلاق، خاصة مع انعدام المتابعة القضائية والرقابة الاجتماعية. نحن بحاجة لتدخل فوري من الجهات المختصة لضمان الحد الأدنى من الإنصاف للنساء والأطفال.”
حلول بديلة في ظل الغياب القسري للعدالة الرسمية
في ظل تعطل المحاكم وغياب الأطر الرسمية لحل النزاعات، تبرز أهمية آليات حل النزاعات البديلة مثل الوساطة، التفاوض، والإصلاح العشائري والتحكيم ، كوسائل محلية يمكن أن تسهم في تحقيق الحد الأدنى من الإنصاف، خاصة في القضايا الأسرية الحساسة. إذ تتيح هذه الآليات الفرصة للوصول إلى تسويات عادلة تحفظ حقوق النساء والأطفال، وتقلل من حدة النزاعات، شريطة أن تكون منضبطة بأطر قانونية واضحة، وتخضع لإشراف جهات مدنية أو حقوقية تضمن عدم استغلالها أو انحرافها عن أهدافها.
توصيات
في ظل هذا الواقع القاسي، تُقدَّم مجموعة من التوصيات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العدالة الاجتماعية والحقوق الأسرية:
- إعادة تفعيل المحاكم الشرعية والمدنية بشكل عاجل لضمان حقوق النساء والأطفال والفئات الهشة.
- توفير الدعم القانوني والنفسي للنساء المتضررات من النزاعات الأسرية، من خلال مؤسسات المجتمع المدني والجهات المختصة.
- إطلاق حملات توعية شاملة حول حقوق المرأة والطفل بعد الطلاق، لتمكين النساء من معرفة حقوقهن والمطالبة بها من خلال آليات حل النزاعات البديلة في ظل الفراغ القانوني.
- بناء قدرات الوسطاء المجتمعيين والقانونين لاسيما في مواضيع العدالة الجندرية وحقوق المرأة والطفل وصياغة سندات الاتفاق والمصالحة .
- العمل على التنظيم القانوني للوسائل المجتمعية البديلة مثل الوساطة والإصلاح العشائري، بما يضمن توثيق الاتفاقيات ومتابعتها قانونيًا ريثما تستأنف مؤسسات العدالة الرسمية عملها.