الحرب كما عاشتها حنين ذات الإعاقة البصرية

 

البريج- سالي الغوطي:

تتلفت الشابة حنين عيد (35 عامًا) يمينًا ويسارًا، قم سرعان ما تبدّل مكانها متعثرة ببعض الأشياء الملقاة على الأرض، كونها تعاني من إعاقة بصرية جزئية، لكن عتمة عينيها لم تفقدها الإصرار على مساعدة والدتها المسنة في إشعال النار باستخدام الحطب لتحضير الطعام!

حنين هي واحدة من آلاف الأشخاص ذوي وذوات الإعاقة البصرية، الذين تفاقمت معاناتهم خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي بدأت منذ 7 أكتوبر 2023م.

تقول حنين بصوتٍ مختنق: “لم أتوقع يومًا أن أشعر بثقل إعاقتي، منذ بداية الحرب وأنا أنتقل من معركة إلى أخرى، كل الحقوق مسلوبة للأشخاص العاديين فما بالكم بذوي الإعاقة مثلنا”.

تعمل حنين أخصائية تأهيل، وتعاني إلى جانب إعاقتها البصرية من مرض السكري الهجين هي وخمسة من أفراد عائلتها، وهو مرض نادر، كما أصيبت بارتفاع ضغط الدم، وكل هذا في ظل انعدام سبل الحياة في قطاع غزة.

تبتعد حنين عن النار وتفرك عينيها بقوة ثم تمسك زجاجة ماءٍ تسكبها على وجهها وهي تكمل: “أجبرتنا ظروف الحرب على إشعال النار، وكأنها جهنم مصغرة، أصيبت عيني بالتهابات شديدة، حتى أن القطرة غير متوفرة في العيادات أو المراكز الطبية الدولية، تعرُّض عيني للحرارة يسبب ألم مضاعف، لكن مضطرة لإشعال النار كي نبقى على قيد الحياة.

تعيش حنين في منطقة البريج وسط قطاع غزة، وتعاني كما باقي سكان قطاع غزة من انقطاع غاز الطهي الذي يمنع الاحتلال دخوله إلى قطاع غزة كما يمنع دخول المساعدات الإنسانية، منذ مارس 2025م.

بسخرية وألم تتساءل حنين: “هل طعام المعلبات والعدس كافٍ لجسد طبيعي؟، فما بالكم بجسد منهك بمرضٍ مزمن، المعلبات تسبب ارتفاع نسبة السكر، وعلاج السكري هو إبر الأنسولين غير المتوفرة دومًا، وإن توفرت تحتاج إلى طعام صحي قبل أخذها، كل ذلك سبب لي التهابات جلدية بين أصابع قدمي لتضاف إلى ألمي الجسدي، لقد جعلت منا الحرب هياكل عظمية”.

تعتمد حنين على أدوية تساعدها على استمرار الحياة وسط المجاعة، على رأسها الأنسولين ودواء اسمه (جلفز)، وحال عدم توفرهما تنتظر متبرعين لتوفيره كونه مرتفع الثمن، كما يحتاج إلى نظام غذائي صحي وهذا غير متوفر.

توجه رأسها للأعلى وتقول: “لم تعد حياتي العملية كما قبل الحرب، أصبحت مليئة بالتحديات، أقساها صعوبة المواصلات والتنقلات، خاصة مع اضطرارنا لركوب العربات التي تجرها الدواب، حتى التكتك لا أعرف أين أضع قدمي عن ركوبه أو النزول منه”.

تتنهد وتكمل: “أتعرض للسقوط على الأرض في الشارع كثيرًا، وأماكن العمل لم تعد موائمة لذوي الإعاقة فقد تعرضت للقصف، والذهاب إلى أماكن جديدة لا أحفظها يشبه المتاهة بالنسبة لي، وتجبرني على اللجوء لمن يساندني”.

بحزنٍ تسند رأسها وهي تتحدث عن سلسلة المعاناة التي لا تتوقف، فاليوم الذي يشهد ساعات وصل المياه شاقٌ بالنسبة لها، كونها تشارك عائلتها في التعبئة رغم إعاقتها البصرية، وتتعرض للسقوط أثناء تعبئة الجالونات والخزان.

حسب إحصائية وزارة التنمية الاجتماعية، فإن عدد من يعانون صعوبة في الإبصار قبل الحرب 9729 شخصًا.

بدأت حنين بالسعال وحاولت الابتعاد عن المكان هربًا من رائحة الدخان القاتلة، وعم المكان ضحكةً هستيرية مملوءة بالألم وهي تستذكر ذلك اليوم الذي أجبرهم فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي على النزوح من بيتهم في مخيم البريج وسط قطاع غزة، إلى مدينة رفح الشهر الثاني للحرب.

تقول: “يومها بدأ الجميع بالفرار هربًا من الموت، لم أستطع جمع أفكاري، لم أفكر بجلب حقيبة النزوح تلك المعبأة بخيبات العالم، كنت أبحث عن يدٍ تسندني للخروج من البيت، والدي أيضًا يعاني من إعاقة بصرية، اعتقدت يومها أن هذه اللحظة هي الأصعب في الحرب لكنها كانت البداية لسلسلة معاناة لا تنتهي”.

تتابع بحزن: “الذهاب للمجهول صعب على ذوي الإعاقة البصرية، فقد حفظت كل زاوية في بيتنا وشوارع مخمينا، أتنقل بنفسي، ماذا سيحدث لو تعرضنا للقصف في مكان لا أعرفه، هل سيتقبّلني الناس؟ من سيكون يد العون لي في هذا المجهول؟”.

تتابع بابتسامة ساخرة: “عند وصولنا ضحكت بصوتٍ عالٍ بعد كل الخوف، فقد وضعت يدي في جيبي وفرحت بوجود أدويتي، أقمنا في بيت أختي في رفح لستة شهور ثم عدنا إلى بيتنا، وعاد كل شيء سوى الأمان فالحرب لم تنته بعد”.

ويخالف ما تتعرض له حنين اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي نصت ضمان سلامة ذوي الإعاقة الذين يتواجدون في مناطق تتسم بالخطورة بما في ذلك حالات النزاع المسلح والطوارئ والكوارث الطبيعية.

كل ما تريده حنين حاليًا أن تستعيد جزءًا من حقوقها، فهي تشعر دومًا بالخوف من الموت بكل أشكاله التي جربها الاحتلال، قصفًا وجوعًا وحرقًا، حتى ظهور سارقي المساعدات الإنسانية إن دخلت، تزيد جوع الناس.

بابتسامة صغيرة تختم: ” أحلم أن تعود غزة كمان كانت قبل السابع من أكتوبر، رغم إعاقتي البصرية إلا أنني كنت اري غزة جميلة دائمًا مضيئة”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى