حياة سراج مرهونة بـ”بوابة المعبر”
دير البلح – هيا بشبش – جسدٌ هزيل وعينان ذابلتان، وطفلٌ يجلس على كرسيٍّ متحرّك أمام قسم الأطفال بمستشفى شهداء الأقصى، بانتظار الحصول على جرعةِ مسكّنٍ جديدةٍ مثل كل صباح، بدلًا من السفر للعلاج خارج قطاع غزة كما يُفترض!
إنه الطفل سراج ياسين ( 11 عامًا)، من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، والمصاب باللوكيميا، يتلقّى يوميًا مسكنات، بينما تحتاج حالته إلى السفر للعلاج خارج قطاع غزة، إذ يحول إغلاق الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح البري الحدودي مع مصر، دون سفر سراج وغيره من الحالات المرضية، منذ سيطر على المعبر أوائل مايو 2024، مع بدءِ العملية العسكرية في رفح.
بغصةٍ تروي والدة سراج ما حدث مع طفلها الذي تم تشخيصه يوم 17 إبريل 2024م بمرض سرطان الدم “اللوكيميا”، وذلك بعدما لاحظت أن طفلها لم يعد نشيطًا كعادته، فهو محبٌ للرياضة وخاصة كرة القدم، وأصبح لونه شاحبًا يميل للاصفرار، وبحكم دراستها التحاليل الطبية فهي أعراض فقر الدم.
تقول: “اصطحبتُ سراج إلى عيادة الأونروا، وتم تشخيصه بالتهاب الكبد الوبائي درجة أولى، لم أقتنع، وذهبت به إلى مستشفى شهداء الأقصى، وكان نفس التشخيص، ولكن بعد اطلاع الطبيب على فحص الدم الذي يوضح أن دمه 3 فقط، ذُهل الطبيب وتم تشخيصه باللوكيميا”.
كان سراج يجلسُ قرب والدته وهي تروي حكايته، بينما بدأت ملامحه تتغير بسبب الألم الذي يحاول أن يتحامل عليه؛ لكنه بدا جليًا وهو بانتظار جرعة “المورفين” التي تأخرت، بسبب انشغال غرفة العمليات بمريض آخر، وصل إلى حالة متأخرة من السرطان الذي تفشّى في كلِ جسده.
تكمل والدته: “يومها طلب الطبيبُ وضع وحدَتي دمٍ بصورةٍ عاجلة لسراج، وكتب مضادات حيوية كي لا تنتقل له عدوى بسبب مناعته المنعدمة، وبدأتُ رحلة البحث عن سبيل لخروج سراج خارج قطاع غزة، ولكن بسبب إغلاق معبر رفح ما زلنا ننتظر، راسلت ملك الأردن والذي بدوره أرسل لي الرد مكتوبًا بالموافقة على علاجه في مستشفيات الأردن وكذلك المستشفى الإماراتي الميداني رحب بعلاجه في الإمارات ولكن نحن بانتظار توقف الحرب وفتح معبر رفح”.
ويتنافى ما يعانيه سراج مع نصوص اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، خاصة المادة (16) التي نصت على أن الجرحى والمرضى والعجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين.
بدأ سراج بالضغط على ذراعه من شدة الألم، بصمتٍ يظهر في عينيه، لدى سؤاله عن هوايته أجاب همسًا: “بحب كرة القدم، وبشجع فريق برشلونة”، تعقّب أمه إنه كان يقضي أوقات فراغه في اللعب مع أصدقائه.
تضيف: “سراج هو أوسط أولادي الثلاثة، كان يحب مساعدتي في ترتيب المنزل، جاءت الحرب وغيّرت الكثير منّا، ففي بداية الحرب نزحنا إلى وسط مخيم النصيرات عند أقاربنا، ولدى اجتياح البريج نزحنا إلى رفح، وحين دخلوا رفح عدنا إلى مخيم النصيرات”.
وتحكي والدة سراج إن علاج مرضى السرطان غير متوفر نهائيًا في قطاع غزة، خاصة حاليًا بسبب الحرب، أما عن المسكنات فيشترط الأطباء على والدة سراج زيارة المستشفى كي يمنحوه جرعةً من المورفين الذي يعدّ مخدرًا.
ويحتاج سراج بشكل مستمر إلى تناول الطعام الصحي والعصائر الطبيعية، لكن هذا غير ممكن، فالفاكهة مقطوعة من الأسواق، وإن توفر شيء فالأسعار خيالية لا تستطيعها عائلة سراج، وعدم تناوله الطعام حاليًا تسبب في جعله لا يقوى على المشي، لذا لجأ إلى الكرسي المتحرك، على أمل فتح بوابة المعبر وإتاحة المجال له للعلاج خارج قطاع غزة.