عن العوائق في تجربةِ نازحةٍ كفيفة… هذه قصة (نور)
خانيونس – هبة الشريف:
“نفسي أصحى من هالكابوس، وكل ما أعيشه يكون مجرد حُلم”، بهذه الكلمات تحدثت الطفلة نور أبو النمر (16 عامًا)، بينما تحسسُ طريقها وسط خيمة أقامتها عائلتها على أنقاض منزلهم المدمّر!
نور هي طفلة من ذوات الإعاقة البصرية، عاشت تجربةً قاسيةً خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي اندلعت يوم 7 أكتوبر 2023، وجربت معها معاناةَ النزوحِ من بيتها الذي حفظت أركانه، وبات عليها التعامل مع واقع جديد.
تجلسُ نور بين والديها في خيمةٍ على ركامِ منزلهم في الحي النمساوي غرب مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، تتذكر سنوات طويلة جاهدت خلالها للتأقلم مع بيئتها، منذ وجدت نفسها كفيفةً إثر خطأ طبي أثناء الولادة، حتى أصبحت تعتمدُ على نفسها بشكلٍ شبه كامل، فقد حفظت الطريق إلى مدرستها ومسجدها بعدما اعتمدت على عائلتها في ذلك لسنوات، وحفظت أجزاءٌ من القرآن الكريم أيضًا.
بصوتٍ خافت تقول: “منذ 7 أكتوبر انقلبت حياتي تمامًا، قُصف بيتي الذي تأقلمتُ معه ومدرستي التي هي طموحي ومستقبلي، حلمت أن أحصل على معدل عالٍ في الثانوية العامة وأدرس تخصص الدراساتِ الإسلامية”.
منذ بدايةِ الحربِ على قطاع غزة، كانت نور تشعر بالرعب كلما سمعت قصفٌ قريب من منزلهم، خاصة كونها لن تستطيع رعاية نفسها حال حدوثِ أي طارئ، حتى حدث اجتياح مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وبات الخطر أقرب.
تقول: “كثيرًا كنت أتخيّل كيف سيكون مصيري إن نزحنا إلى خيمة أو مكانٍ غير بيتنا، لطالما دعوت الله ألا يحدث ذلك، ولكن جاءت ساعة الصفر”.
تشرد بذهنها وهي تكمل: “في بدايةِ مارس، أمهلنا الاحتلال ربع ساعة لإخلاء المنطقة، لم أستطع الفرار سريعًا، سقطت على الأرض عدة مرات، الجميع انشغل بتفاصيل النزوح فالوقت ضيق، أما أنا فخرجت دون شيء، تركت عصا بيضاء وآلة برايل التي تشكل كل شيءٍ بالنسبة لي، لا أعرف من سيعوضنا عن هذه الأشياء”.
نزحت نور ما عائِلتها إلى خيمة، المنطقة مبهمةٌ بالنسبة لها، اسمها المواصي وتقع على شاطئ بحر خانيونس، لا تعرف معالِمها، وتعتمد كليًا على أخواتها الثلاثة بعد مرض والدتها بالأعصاب، فأمها باتت لا تقوى على إعالةِ نفسها.
تكمل: “في نزوحِنا لم أعترض على شيء، التزمت الصمت طيلة الطريق لم أخرج من الخيمة سوى لقضاء الحاجة، أيام كانت صعبة لم أتكلم كي لا أزيد العبء على والدي، رغم أن معاناتي النفسية تفاقمت، الوصول لكل شيء صعب، خاصة دورات المياه التي تفتقد لأدنى درجات الخصوصية، فهي مشتركةٌ بين عدة عوائل، وطوابير الانتظار أمامها طويلة”.
ويتنافى ما تعرضت له نور مع نص المادة (11) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي ضمنت حماية وسلامة ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تستم بالخطورة بما في ذلك النزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية.
لم تشعر نور بالأمان داخل جدرانِ المنزل أثناء الحرب، فما بالك وقد باتت الآن في خيمة من قطع النايلون والقماش، تعقّب: “معظم الليالي فيها أصوات قصف ونباح كلاب، أموت رعبًا كلما تحرّك قماش الخيمة، أسمع ما يرعبني ولا أرى شيئًا”.
طارت فرحًا بعد انسحاب جيش الاحتلال من خانيونس نهاية مايو 2024، وظنّت أن وقت العودة لبيتِها وغرفتِها التي تحفظُها عن ظهر قلبٍ قد حان، وأنها ستودّعُ الخيمة، لكن والدها فاجأها بغير ذلك، فالبيت أصبح ركامًا، وأدواتها كلها تهشمت تحت أنقاضه.
كانت نور تعتمدُ بالكامل على أدواتِ مساعدة خاصة بالمكوفين، جميعها فقدتها، سحقت تحت ركان منزلها، أصبحت عاجزة عن نيل أبسط حقوقها، حتى الكتب والقرآن الكريم.
تختم :”كل أشيائي أُعدمت، الآن أحتاج مساعدة أكثر من السابق، فالحجارة في كل زاوية، أضطر أنا ووالدي وأخوتي لفتح ممر فيها، لا أستطيع دخول الحمام دون عوائق، وهو عبارة عن قطعةِ قماش وبعض الخشب الذي نجا من ركام المنزل، العوائق وُلدت من جديد”.