دمّروا بيتَ محمد وجزءٌ من قلبه احترق

دير البلح – هيا بشبش :

“أودعتك لله وسأعود إليك”، كانت هذه آخر كلمات كتبها الشاب محمد المطوّق (35 عامًا)، على جدران بيته قبل أن ينزح من مدينة جباليا شمال قطاع غزة إلى دير البلح وسط القطاع بحثًا عن أمان عائلته، قبل أن يتغيّر كل شيء!

“هجر الديار هو أقسى أنواع الوجع” يقول محمد بينما يجلس على باب خيمته في مدينة دير البلح، بعد أن نزح بزوجته وطفليه حين طالب الاحتلال الإسرائيلي مواطني شمال القطاع بالنزوح إلى الجنوب يوم 13 أكتوبر، ترك محمد بيته الذي بناه بشقّ الأنفس، والآن بات أثرًا بعد عين.

يضغط الشاب عينيه بقوة وهو يروي قصته: “تزوجت منذ تسعة أعوام ورزقت بطفلين، كنت حينها أقطن في غرفةٍ صغيرة في منزل عائلتي، منتظرًا اللحظة التي أمتلك فيها بيتي الخاص”.

أسندَ ظهره إلى عمود الخيمة، تنهّد بعمق وتابع: “قد يبدو بناء المنزل شيئًا يسيرًا، لكنه كان أشبه بمعجزة لشاب تخرّج دون أن يجد عمل، فبعد أن أنهيت دراستي في القانون، عملت في عدة مجالات بعيدة عن تخصصي، لتأمين لقمة عيش أسرتي، وفي خضم معترك الحياة رسمت في مخيلتي بيتي الخاص”.

ضاقت الغرفة الصغيرة داخل منزل العائلة على محمد وزوجته وطفليه، 6 سنوات من كانت كافية ليجمع ما لديه من مال ويبدأ رحلة بناء منزل استغرقت مرحلته الأولى عامًا كاملًا، بنى خلالها أعمدة وبعض الجدران وتوقف لعدم توفر المال.

اعتدل محمد في جلسته، ووضع تنكة النار (علبة فارغة يتم وضعها على النار كموقد)، وضع إبريق الشاي وأكمل حديثه: “ثلاثة أعوام توقّف خلالها العمل لم أكن أحبّ صعود السطح كي لا أرى الأعمدة الخاوية وتبقى حسرةً في قلبي وأنا أتساءل هل سأكمل البناء، وكيف أخرج من هذا القمقم لبيت واسع”.

اتجه محمد لاحقًا لعمل سجل تجاري لاستخراج تصريح عمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948، فرحِ بصدور التصريح رغم علمِهِ برحلة الشقاء والغربة التي تنتظره ولكن يقول: “زوجتي وأطفالي يستحقون، وحلم البيت يستحق”.

سافر محمد للعمل وبين عينيه حلم إكمال البيت، لم يكن الأمر سهلًا، فالعمل بحاجة إلى مجهود شاق، عمل في مجال التمديدات الكهربائية وطلاء المنازل وصيانتها وفي عدة مجالات أخرى.

فتح محمد كيس الميرامية ووضع جزءًا منها في الإبريق، أضاف السكر والشاي ورتّب الكؤوس على قطعة من الكرتون في ظل غياب معظم أواني المنزل، ثم صبّ الشاي ووزعه، وتابع: “أثناء العمل كنت أرسل النقود لزوجتي، وهي تكمل الإشراف على البناء، وعند عودتي للمنزل في أيام الإجازات، قمت بعمل التمديدات الكهربائية وطلاء المنزل وتركيب الإضاءة بنفسي”.

تنهد وأكمل: “كلُ جزءٍ في المنزل حمل جزءًا مني، ومقابل إنجازه كنا نعيش حياة التقشف، وبدأت بشراء الأثاث”.

اجتمع طفلا محمد وزوجته حول كاسات الشاي جالسين على قطعة حصير مهترئة، يستمعون له بينما يواصل: “انتقلت وزوجتي وطفلينا إلى منزلنا الجديد، كان قطعة من السعادة، وقررنا استكمال الأثاث والأجهزة الكهربائية ونحن نسكنه، لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، فقد تعرضت لإصابة عمل حين سقطت من الطابق الثالث نتج عنها كسرٌ في الرسغ واليد اليمنى والقفص الصدري وآخر في الظهر ورضوض”. 

يوم 7 أكتوبر 2023، استيقظ أهالي قطاع غزة على صور انفجارات أعلنت بعدها دولة الاحتلال الحرب على قطاع غزة، أما عن محمد الذي مضى على إصابته حينها شهران، فقد كان عليه مواصلة العلاج، لكن كما يروي فكل سُبل الحياة توقّفت، مجازر وإبادة في كل مكان.

يختم:” قُصف المنزل المجاور لبيتي، فررت مع عائلتي إلى منزل عمي طلبًا لأمان غير موجود، غطى الكبريت المكان واخترقت الشظايا منزلي، فقررت النزوح إلى دير البلح، وبعد شهرين ونصف انسحب جيش الاحتلال من جباليا، وظهرت الكارثة”.

يقلّب محمد على هاتفه النقّال صورًا لبيته أرسلها أحد المواطنين المتواجدين بالشمال، تظهر بيته المدمّر، بينما يقول:” أحرقوا البيت الذي أصيب بالقذائف وتدمّر، رحل المنزل ورحلت معه أحلامي، سأعود لبيت غير موجود، ودون شجرة الليمون التي كانت تطل من شباكه”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى