الطفل حمدان وقلبه .. وحيدان في مواجهة الحرب
دير البلح – فدوى عبد الله :
“توقّف قلبُ طفلي خوفًا، أصوات القصف وتناثُر شظاياه وركامه فوق بيتنا أثار الرعب، إثر غارة إسرائيلية على منزلٍ مجاورٍ لبيتنا، تجمّدَ جسدُ طفلي وحدّق بعينيه للأعلى، دون ردة فعل، وبعد محاولات لإفاقته أخيرًا عاد لوعيه وانفجر باكيًا”.
هكذا وصفت ولاء المقاطعة (30 عامًا) ما جرى لرضيعها حمدان الذي أتمّ عامه الأول خلال الحرب، حالة الرعب التي أصابت الطفل لحظة القصف، خاصة أنه مريض خضع لجراحة خطيرة في القلب عندما كان عمره أسبوعين، ويعاني ارتفاع ضغط الدم لعدم وجود غدّةٍ المناعة.
تعاني عائلة الطفل حمدان التي تسكن مدينة دير البلح وسط قطاع غزة؛ مخاوف كبيرة بسبب تواصل آلة الحرب التي حالت بينهم وبين الأطباء المعالجين للطفل، خاصة بعد تدمير مستشفى الرنتيسي التخصصي للأطفال، والذي أصبح ركامًا.
تقول والدته: “في آخر زيارة للطبيب المعالج في مستشفى الرنتيسي التخصصي، قبل الحرب بأسبوعين، حدد موعدًا جديدًا لمراجعة المستشفى للنظر بوضع حمدان، فهو بحاجة لجراحة في القلب، ولكن الحرب دمّرت مستشفى الرنتيسي الوحيد القادر على التعامل مع حالات مرض القلب لدى الأطفال”.
اكتشف الأطباء بعد أسبوعٍ من ولادة حمدان مشكلة في القلب، بيّنت انسداد الشريان الأساسي الذي يضخُّ الدم لجسده، ووجود ثقب في القلب ومشكلة في الصمام، وبدأوا إجراءات الحصول على تحويلة للعلاج خارج قطاع غزة، في ظل عدم وجود جراحة متخصصة لقلب الأطفال.
تابعت ولاء: “لخطورة وضعه تم نقله إلى مستشفى المقاصد بالقدس خلال أسبوع، وأجريت له عملية مباشرة، حيث اختار الأطباء علاج مشكلة انسداد الشريان الأورطي أولًا، والتأكّد من تعافي الطفل لاستكمال العلاج لاحقًا”.
مكثت السيدة شهرًا في غرفة العناية المكثّفة بمستشفى المقاصد، أصيب خلالها حمدان بعدوى فيروسية على الرئتين، وتم نقله إلى مستشفى النصر للأطفال بمدينة غزة، بإشراف ومتابعة صحية من أطباء مستشفى الرنتيسي بسبب عدم توفّر غرفة عناية مكثفة معزولة داخل مستشفى الرنتيسي.
تضيف: “عاش حمدان رحلةً طويلة من العلاج ومحاولات الأطباء رفع أجهزة التنفس الاصطناعي وفحص قدرته على التقاط أنفاسه، حتى نزع الأطباء الجهاز باعتباره محاولة لإنقاذ الحياة، وأخيرًا نجح في التقاط أنفاسه وتقرر إعادته لمستشفى الرنتيسي”.
عاد حمدان لمنزله أول مرّة بعمر ثلاثة شهور، وأوصى الأطباء والديه الالتزام بحليبٍ خاص لدعم المناعة، وحال ظهور أي مضاعفات إرجاعه فورًا إلى مستشفى الرنتيسي وليس لأي مكان آخر، فوحدهم المختصين بحالته.
وبسبب فقدان غدّة المناعة، يعدّ الحليب غذاءً وعلاجًا، لأنه يعمل على دعم جهاز المناعة، يتعرض الطفل للإعياء عند غيابه، ويعاني صعوبات في التنفس.
توضح ولاء: “توفير الحليب ليست عمليةً سهلة، قبل الحرب لم يكن متاحًا بشكلٍ كبير في جميع الصيدليات، وفي بداية الحرب وفرّناه بصعوبة، ثم وفرنا بدائل له، ورغم أنها مكملات غذائية لكنها أضرّت بحمدان”.
بعد أربعة أشهر من الحرب، وفّرت مستشفى شهداء الأقصى علبة حليب أسبوعيًا، بينما يحتاج الطفل علبةً كل ثلاثة أيام، حاليًا يحصل على علبتين شهريًا، وهذه معاناة أخرى في ظل انقطاع الحليب من الصيدليات.
غياب العلاج والدواء ليس المعضلة الوحيدة التي تواجه طفلًا مصابًا بفقدان المناعة، فالغازات التي تنبعثُ نتيجة القصف والدخان الذي يعلو المنازل، تحدٍ آخر أمام عائلته، فهي تضرّ بصحته، فهو بحاجةٍ لعنايةٍ خاصة ويُمنع عليه الاختلاط بالأوساط المزدحمة.
تضيف ولاء: “الأمرُ أصبح معقدًا في الحرب، إن تمكنّا من السيطرة لإبعاد الأتربة والعطور والدخان، وكلها مهيجات لحساسية ابني، فدخان الصواريخ وغباره يخترقان المنزل بشكل كامل، وهي مؤذية حتى للشخص السليم، وكل محاولاتنا لمنع استنشاقه تصبح صعبة، وبسبب أزمة شح غاز الطهي، ينبعث الدخان في الهواء من جميع المنازل المحيطة بنا، ورغم محاولات عزله كان يتأثر”.
بسبب هذا الكم من التلوّث، يحتاج حمدان جهاز تبخيرة، ولكن لا يمكن استخدامه بسبب انقطاع الكهرباء، وتضطر أمه لنقله إلى المستوصف، وهذا تحدٍ آخر في ظل خطورة نقل الطفل وسط الازدحام، والشوارع تعجّ بالغبار ومخلفات الصواريخ وتلوث الشوارع بمياه الصرف الصحي وعدم توفّر المواصلات والوقوف في طوابير لتلقّي العلاج.
وتكفل اتفاقية جنيف الرابعة الحماية للأطفال والمرضى والحوامل وقت الحرب، كما تضمن الاتفاقية حقهم في تلقّي الرعاية الصحية.
تقدّم عائلة حمدان أقصى جهدها للحفاظ على استقراره الصحي، هذا لا يخفف خوفهم، فإصابته بأي إعياء يتطلب نقله إلى غرفة العناية المكثّفة، حتى لو كان مرضًا لا يحتاج سوى لعلاجٍ منزلي، ففي مدينة دير البلح حيث يقيمون، لا تتوفر غرفة عناية مكثفة لدى مستشفى شهداء الأقصى، ولا مختصين في قلب الأطفال.
ورغم خطورة حالة حمدان، لكنه لم يحصل حتى اللحظة على تحويلة طبية تضمن حقه في العلاج، وتناشد عائلته ضرورة الإسراع في إقرار تحويلة للطفل.