سجى وضحى… جمعهنّ نبضٌ واحدٌ وفرقهنَّ “صاروخ”
البريج- بيسان الصعيدي:
بعد أن عاشت التوأمين سجى وضحى معًا مدّة (17 عامًا)، تقاسمتا تفاصيل الحياة معًا، والأحلام معًا، جاءت صواريخ الموت الإسرائيلية لتفرّقهن، وتبقى سجى وحيدة، تقارعُ الحياة بحثًا عن جثمان توأمِها بين المقابرِ الجماعيةِ التي صنعها الاحتلال في قطاع غزة!
سجى عمر (17 عامًا) من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، كانت تعيش حياةً هادئة برفقة والدها وزوجته وشقيقتها التوأم ضحى بعد انفصال والديهم، حين اندلعت الحربُ الإسرائيليةُ على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر، وأجبر الاحتلال مئات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة على النزوح للجنوب لم تنزح عائلة سجى ظنًا منهم أن الحرب لن تطول.
بعيونٍ خضراء لامعة تقول سجى :”في ليلةٍ سوداء يوم 25 أكتوبر 2023 اشتدّ القصف وفقدتُ كل شيء، استشهد والدي وتدمّر بيتنا، أصيبت أختي ضحى وعددٌ كبيرٌ من أفراد العائلة، وبدأت رحلتي مع ضحى في المستشفى الأندونيسي بمدينة جباليا شمال قطاع غزة، بتروا ساقها وبقيتْ الحروقُ تغطي جسدها، كانت غائبةً عن الوعي ولم أتوقع أن تعيش”.
وتحظر اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، استهداف المدنيين وممتلكاتهم، كما حظرت النقل القسري لهم.
تجول سجى بنظراتها الحائرة في محيط خيمتهم المقامة حاليًا في مخيم للنازحين بمنطقة البريج وسط قطاع غزة، بينما تكمل:” نقلوها إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة وذهبت معها، اهتم الجميع بضحى حتى عاد وعيها، ظننتُ أن الحياةَ ستخفف عني، وبدأت بإحضارِ كل ما تريد من طعام”.
بعد اقتحام الاحتلال مستشفى الشفاء تعرّضت ضحى لنزيفٍ داخلي، احتاجت إلى وحداتِ دمٍ، لكن الاحتلال قطع الكهرباء ومنع التنقّل بين أقسام المستشفى، وقطع سبل الوصول إلى مصر للعلاج، استشهدت ضحى بتاريخ 12 نوفمبر 2023، كما استشهد غيرها ممن فقدوا حقهم في العلاج.
حملت سجى وجع قلبها، وبدأت رحلة النزوحِ من مكانٍ إلى آخر، برفقةِ عمِها، لكن أصعبها رحلة النزوح إلى جنوب قطاع غزة، حيث شاهدت بعينها الدبابات والجنود الذين ينتشرون في شوارع مدينة غزة، حتى دوار الكويت جنوب شرق المدينة.
تمسح دموعها وهي تروي: “سِرنا على الأقدام من التاسعة صباحًا تحت أشعة الشمس الحارقة، حتى العاشرة ليلًا، تعرّضتُ للتحقيق من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لساعات لمجرد إرباكي وإخافتي”.
وصلت سجى برفقة عائلةِ عمِها إلى مدينة رفح، وبدأ الجميعُ الاتصال بها والاطمئنان على ضحى دون أن تخبرهم باستشهادها فالأمر صعب، حتى تناقلوا الخبر الذي كان كالصاعقة على أمهنّ التي لا تمتلكُ في الدنيا سوى سجى وضحى، خاصة أنها لم ترهما منذ مدّة طويلة.
التقطت سجى هاتفها النقال وهو كل ما تبقى من ذكرياتِها الجميلة مع عائلتها، تقلّب الصور ومقاطع الفيديو، تقول بابتسامة حزن شاحبة: “هذه أنا وهذه ضحى، لا أحد يستطيع التفريق بيننا، نحن توأمٌ متطابق، نشبه بعضنا تمامًا، حتى ضحكتنا، ملابسنا واحدة وحتى أحلامنا واحدة، لم يفرقنا سوى الموت، فلا شيء جميلُ يكتمل في غزة”.
تعود سجى لحياة النزوح مرة أخرى بعد إخلاء رفح، لتنتقل بين مخيم النصيرات ودير البلح ومخيم البريج، وبين خيمةٍ ومخزن، وغرفة مكتظة بالأشخاص، باحثةً عن أجواءٍ أسريةٍ مع من تبقّى من أفراد عائلتها.
في عُمر سجى، تبدأ الفتياتُ ترتيبَ حياتِهن الدراسية استعدادًا للثانوية العامة، وتحديد أهدافهن من الحياة للوصول إلى الجامعية، لكن سجى كالكثير من أبناءِ غزة، تحلمُ بإيجاد جثمان شقيقتها التي لا تعلم هل بقي في باحة مستشفى الشفاء بمدينة غزة، أم تم نقله إلى المقابر الجماعية في خانيونس مثلما فعل الاحتلال مع بعض الجثامين.
وتتساءل بحيّرة بينما تضرب يدها على جبينِها: “كل ما نعيشُهُ منذ يوم 7 أكتوبر 2023 لا أدري هل هو واقعٌ أم كابوس”.