أمل، ضرَبها زوجها بوحشية فأفقدها البصر.

الطفولة، والبراءة، والطموح لمستقبل مجهول، هي بعض الأشياء التي فقدتها أمل عندما تزوجت بعمر ال15 عاماً من شاب لم يتجاوز ال18 عاماً، في زيارتها الأخيرة إلى قطاع غزة مع عائلتها التي كانت تسكن في السعودية، لتكون ضحيته وتفقد بعد هذا الزواج بصرها وأملها في الحياة.

تسرد أمل:” محمد، هو قريبي الذي يسكن في غزة، حينها لم يكن يتجاوز الـ18 عاماً، ولم يكمل تعليمه الثانوي، ذلك الفتى رأت  فيه أمه أهلاً ليكون مسؤولاً عن بيت وعائلة، رغم أنه لم يكن يملك أدنى مقومات بيت الزوجية، فلا بيت ليعيش فيه، ولا عمل يوفر من خلاله متطلبات الحياة، ما دفعه للاقامة مع أهله بعد الزواج عام 2006، فقسموا الغرفتين، غرفة لي ولعمر، والأخرى لأمه وإخوته الأربعة”.

وتضيف:” لم يمض ِعلى زواجنا خمسة شهور، حتى بدأت بوادر التدخلات والمشاجرات بيني وبين زوجي، فقد وقعت في شباك كُرهِ حماتي المتراكم لأمي، فأبسط الأمور كانت تستغلها حماتي لخلق مشكلة ولا ألقى من زوجي إلا التشكيك والإتهامات، وعندما بدأت أطالب بالوعود التي اتفقنا عليها قبل الزواج مثل البيت المستقل، تصاعدت وتيرة عنفه ضدي”.

وتصف أمل بعض ماعايشته: “صراخٌ، وشتم، وتعذيبٌ نفسيّ، وسوء معاملة مدفوع بتوجيهات من الأم، إلى أن أصبح التعذيب الجسدي والضرب، هو الحل لأي مشكلة حتى لو كانت علبة سردين”.

أمل لم تطأ قدماها منذ زواجها أبعد من عتبة البيت، أصبح بيت الزوجية الذي رسمته في مخيلتها درباً من السراب، فالفقر كان سيد الموقف، يعتاشون على مساعدات الشؤون الاجتماعية، ولجنة الزكاة، ومساعدات بعض الأقارب، بعد مدة أدركت أمل أن أم زوجها الأرملة منذ 25 عاماً، تفعل بها كما عاشت عند زوجها وأمه، وبالتالي “أسقتها من كأس المرار الذي شربت منه” على حد تعبيرها.

ازدادت الأمور سوءً، حتى وصل الأمر إلى الضرب المبرح من قبل محمد ووالدته وأحيانا إخوته، كانت الكدمات تملؤ جسدها، الذي لم يكن يدرك بعد معنى النضج الكامل، حتى شقيقاته الصغار كن يبدعن في افتعال المشاكل، والإدعاء الكاذب،  وذلك لدفع زوجها لضربها بقسوة مرات ومرات، حتى يسمع الجيران أنينها وصراخها.

بملامح حزينة قالت: “لم أعد أحتمل فحاولت الهرب الي مكان بعيد بمساعدة أحد الأقرباء، فلحق بي وهاتف أهلي، وبدأ يمارس دور الضحية واعتبار ما كان (طيش شباب)، وأعادني أهلي إليه وبعد فترة وجيزة  تكررت الأساليب في المعاملة بعنف أكبر وضرب أكثر إيلاماً”.

تتحدث ع بعض أساليب تعذيبها: ” كان يشعل الشمعة ويميلها لتذوب على وجهي وعينايّ إذا قالت له أمه أن أمل لم تسمع الكلمة، مُنعت من التواصل مع أهلي وكان يُجلسني في زاوية الغرفة كوني لم أكن زوجة مطيعة لهم، وعقلي لم يكن ناضجاً، وصراخي بيجيب الشبهة كما كانت تقول حماتي، ولا أذكر حتى اليوم سبباً مقنعاً لكل ما عانيته في ذلك البيت”.

وعن الضربة القاضية لإنهاء زواجها تقول: “سمعت صراخ حماتي على محمد، بدأ يحمل كل ما حوله وتكسيره وفرغ غضبه عندما رأى وجهي، ارتطم رأسي في الأرض وأغشي عليّ، هذا آخر ما لمحته عيناي”، لتصحو أمل على سوادٍ دائم، فالضربة الذي تعرضت لها هزّت أعصاب البصر لديها، لتفقده، وعادت بعد ذلك إلى بيت أهلها بعد سنتين من الزواج والمعاناة المستمرة، تحمل لقبين مطلقة وعمياء.

بعد 6 سنوات من المعاناة والقضاء في المحاكم ، تم دفع المؤجل الذي لم يكن كافياً لمصاريف علاج أمل، وبين القضاء والعلاج والمعاناة اغتصبت طفولة أمل وهدر حاضرها ومستقبلها.

وتشير بيانات من مركز الإحصاء الفلسطيني، إلى أن الزواج المبكر ينتشر أكثر بين الإناث مقارنة لما بالذكور لتصل ما نسبته 36% من مجمل الإناث اللواتي عقد قرانهن مقارنة بـ 2.2% من الذكور، وبلغ معدل انتشار العنف ضد المرأة والممارس من قبل شريك الحياة 31.9% في العام 2005 ليصل ما نسبته 36.7% في العام 2014.

وأكدت  المحامية الشرعية، شيرين الصوراني، على ضرورة إقرار قانون حماية الأسرة من العنف ومحاربة ظاهرة الزواج المبكر بوعي أكبر وبأساليب حضارية والإبتعاد عن المبررات الاجتماعية التي تبرر العنف بكافة أشكاله ضد النساء.

وأضافت الصوراني: “أن الطفل في القانون الفلسطيني هو مَن لم يتجاوز الـ18 من عمره، ولكن المحاكم الشرعية تعتمد على التقويم الهجري في احتساب سن الزواج 15 للبنت و16 للولد، وأن يكون جسم الفتاة ظاهريا يحتمل البلوغ، وبالتالي الفتاة المتزوجة في سن الطفولة تكون الأهلية القانونية لولي أمرها، وفي حالات العنف للقاصر يتم تحويلها عبر نظام تكاملي وطني إلى مرشد الطفولة في وزارة الشؤون الإجتماعية ودور الحماية المختصة”.

وبين الجهل المجتمعي، وحالة اللاوعي، وغياب القانون، تقع المرأة ضحية بعض التقاليد التي تسلبها أبسط حقوقها وتجعلها رهينة اللامنطق، لتكون الطعم اللّين في مواجهة أي عنف موجه لها، وكثيرةٌ هي الحالات التي تكتفي المرأة المعنّفة فيها بالسكوت والتخفي وراء مخاوف عديدة كالسمعة وكلام الناس، وبذلك تحكم على نفسها بالموت في الحياة وإنجاب أجيال يرى أفرادها العنف أسلوب معاملة .

** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى