ميريانا صفحات سوداء في غياب العدالة

غزة_CMC_هيا بشبش

صراخ منبعث من أحد المنازل قض مضجع أحد الجيران، ليتوجه الجيران إلى المنزل الذي تخرج منه الأصوات، إحدى السيدات كانت تتلقى ضرباً شديداً، على الفور اتصل الجيران بالشرطة، أتت الشرطة ليتضح أن رجلا يضرب زوجته بمطرقة حديدية أدت لتهشم عظام قدمها، قامت الشرطة بنقلها للمستشفى، وبعد معالجتها أخبرتها الشرطة ” لو حبسنا زوجك سيضربك أكتر أصبري وأمرك لله “.

ميريانا (35 عاماً) من أصول بولندية، كانت تقطن في كازخستان مع جدتها بعدما انفصل والديها، وهي في سن 15 تعرفت على زوجهاالطالب من غزة، حين كان يكمل دراسة الطب ويسكن بجوار منزل جدتها، تقدم لخطبتها من جدتها ولخوف جدتها عليها أن تتركها وحيدة، وأملاً في مأمن لها، وافقت الجدة وتم الزواج، تقول: ” بعد زواجي حملت بطفلي الأول، وترك زوجي دراسته، وبدأ البحث عن عمل لأن جدتي هي المعيل لي ولزوجي، لم يجد زوجي أي عمل فقرر أن ننتقل جميعاً إلى غزة “.

وفي غزة تبدأ أولى صفحات المعاناة فتصف ميريانا: ” اتضح أن زوجي يقيم في منزل العائلة المكون من طابق واحد مسقوف ” بالزينكو”، ويسكن المنزل ستة من إخوته المتزوجين وعوائلهم، فكان نصيبنا غرفة من المنزل خالية من أي أثاث “، وتضيف ” كنا نفترش الأرض، ونعاني الجوع وقلة الملابس وسوء المعاملة من الجميع، حاول زوجي البحث عن عمل ولكنه لم يوفق في ذلك، وبعد إلحاح من جدتي بالعودة إلى كازخستان، عدنا “.

عادت ميريانا أدراجها الي مسقط رأسها وفي اليوم الثاني لوصولها هي زوجها توفيت جدتها، تقول: ” بعد وفاة جدتي، بدأ زوجي يغيب عن المنزل لفترات طويلة بدأت بأسابيع، وانتهت بسنين، أنجبت طفلي الثالث وأنا أعتمد على المعونة التي يرسلها لي أبي وأمي إضافة إلى عائد يسير من عملي حيث كنت أبيع الملابس على إحدى البسطات”.

غاب زوجها لمدة سنتين دون أن تعلم ميريانا عنه أي معلومة، ” في أحد الأيام بينما كنت جالسة في منزلي أنا وطفلي الصغير، اقتحم المنزل بعض الرجال الذين قاموا باختطافي، حل المساء وأنا في سيارتهم، اقتادوني إلى مقبرة، وبدأ اثنان منهم بحفر قبر، بدأت بالبكاء وعلمت منهم أنهم ينتمون إلى إحدى العصابات التي يتعامل معها زوجي، وبعد علمهم أن زوجي هجرني، اطلقوا سراحي شرط أن أخبرهم بعد ذلك بمكان زوجي”.
بعد هذا الحادث، الذي علم به زوجها، اقترح عليها أن يسافر مع الأطفال إلى غزة، ويرسل لها تصريح لدخول غزة بعد ذلك، فهي لا تستطيع الإقامة في غزة لأن الحكومة في كازخستان طلقتها منه بسبب المشاكل التي أوقعهم بها، تقول: ” وافقت بسبب خوفي الشديد على نفسي، وأطفالي، عاد بالأطفال إلى غزة فعلاً، وطالت مدة غيابهم دون أي خبر، فقررت أن أسافر إلى مصر أملاً بدخولي إلى قطاع غزة “.

مرحلة جديدة من الألم كانت بانتظار ميريانا، تتحدث بحسرة ” أقمت بالسفارة الكازاخستانية لمدة 4 شهور، بذل فيهم السفير قصارى جهده لمساعدتي لدخول غزة بلا جدوى، واخيرا تعرف السفير على مواطن غزيّ في الخمسينات من عمره، وبعد أن علم بقصتها اقترح أن يتزوجها لتستطيع دخول غزة على أن يطلقها فور وصولها هناك”.

تتابع:” بمجرد دخولي إلى غزة اقتادني إلى شقة وأقفل باب المنزل وأمرني بنسيان أطفالي ورفض أن يطلقني، وبعد أن مرت الشهور بمعاناة صعبة، وضرب مستمر، ومشاجرات حادة بيني وبينه، وافق على أن أرى أطفالي ولكن بشروطه “.

كانت تراهم وهم يلعبون أمامها ولا يفصلها عنهم سوى زجاج السيارة التي يرافقها زوجها بها، ولكنها لا تستطيع أن تقترب منهم أو تكلمهم، خلال مدة زواجها من ذلك الرجل الخمسيني انجبت منه ثلاثة أطفال، تروي:” كنت أحمل رغماً عني، كانت علاقتي به تتم بالإجبار، وتحت الضرب وكيل الشتائم، ولم يسمح لي يوماً أن أضع مانعاً للحمل، طالت معاناتي حتى توفى بعد شهرين من إنجابي لطفلي الأخير”.

الأخصائية الاجتماعية عايدة عليوة أكدت أن تزويج الفتاة في سن مبكر يقتل طفولتها ويحملها مسؤولية لا طاقة لها بها كما يضعف من شخصيتها ليجعلها أرض خصبة لممارسة العنف عليها وهي لا تستطيع دفعه عنها، وأضافت: ” أن غياب ثقافة القانون لدى النساء اللاتي يتزوجن في سن مبكر يعانين من العنف اللفظي أو الجسدي وفي بعض الأحيان يصل الأمر للعنف الجنسي وتضع المرأة نفسها في موضع المضحية من أجل أبنائها دون البحث عن حل لهذا العنف”.

وأوضحت عليوة أن قلة توعية المرأة بالقانون وبحقوقها التي تكفل لها حياة كريمة يعرضها للعنف بصورة دائمة ويجعل منها فريسة سهلة للمجتمع الذكوري، وقالت: ” غالبا قد يؤدي الزواج المبكر لتحميل المرأة أعباء مالية مما يضطرها للجوء لأهلها أو للعمل في أعمال مهينة ولا تتوافق مع بنيتها وذلك لتأمين حياة ولو يسيرة لأطفالها بعد تخلي زوجها عن مسؤولياته”.

ميريانا الآن أصبحت حرة استعادت أبنائها من زوجها الأول، وبدأت بتعلم مهنة التجميل، لتعيل نفسها وعائلتها، وبعد أن حاول أبناء زوجها الثاني من زوجاته السابقات طردها من شقتها، توجهت ميريانا إلى محامية لتثبت أحقيتها بالشقة، ومازالت القضية مفتوحة.

** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى