من طالبة جامعية، إلى زوجة معنفة، هكذا انقلبت حياة عائشة.
غزة_CMC_هبة كريزم
يعتبر العنف الأسري ضد المرأة هو أكثر أنواع العنف انتشاراً، وبدأت آثاره في الظهور بشكل ملموس على السطح في المجتمع الفلسطيني، الأمر الذي يؤكد على أهمية التحرك لمواجهة هذه الظاهرة من كافة أطراف المجتمع، عائشة ذات الاثنين وعشرين عاماً، إحدى ضحايا العنف الأسري من قبل زوجها وعائلته.
تقول بهدوء: “انا ابنة والدى المدللة بين أخواتي الخمسة، تزوجت زواجاً تقليدياً رغماً عنى وأُجبرت عليه، بما أن عائلتي وجدته شاباً مناسبً لي، ومواصفاته جيدة، والدتي وأخواتي الشباب كانوا الأساس بزواجي بذلك الشاب، حتى أن وصل بهم الأمر لدرجة ضربي بشكل مبرح، خلال فترة الخطوبة حتى أتحدث معه وأذهب لزيارة عائلته”.
وتضيف “بعد فترة الخطوبة تزوجته، وبدأت أتأقلم على حياتي الجديدة في منزله، لكنني لم أستطيع الاستمرار بسبب كرهي الشديد له بسبب معاملته السيئة لي، ولم يكن يساعدني حتى أتقبل وجوده في حياتي، فبدأ بضربي حتى أتعايش في حياتي الجديدة معه ومع عائلته، وبعد أسبوعين من زواجي رجعت الى منزل عائلتي”.
لم يكن زوج عائشة يتعامل معها بأساليب إنسانية بل إن أساليب معاملته لها لم ترقى للمعاملات الحيوانية، الأمر الذي ساعدها على زيادة كراهيتها له، موضحة “كان يعاملني بدونية، ويستخدم كل ما يقع بين يديه لضربي، حتى بات كل شيء يترك أثراً على جسدي، واضطررت للذهاب للمستشفى عدة مرات بسبب وحشيته في ضربي، ويوجد لدى تقارير صحية تثبت صحة حالتي تدهور حالتي الصحية بسبب سوء معاملته”.
عائلتها لم يكن لديها أدنى اهتمام بما يحدث معها, تقول: “عائلتي كانت دائماً تضع اللوم علىّ بشدة، وتطلب منى الرجوع إلى منزل زوجي، حتى لو كنت على حق، فكلماتهم كانت تدل على ضعفهم أمام عائلته وكأني أجلب لهم العار”، مضيفة “هو وعائلته لم يمتلكوا من الانسانية أو الإحساس شيئاً، أساليب الإهانة والحقارة التي كانوا يستخدمونها كانت كافية لكراهيتهم وتفكيري المستمر للانتحار لأتخلص من العذاب الذى أعيشه”.
ورغم سكن عائشة في شقة متواضعة مستقلة في منزل عائلة زوجها إلا أنها كانت تُعامل كخادمة، وتقول “كنت أقوم بكل الأعمال المنزلية، فمن الصباح أتوجه لمنزل العائلة لأعمل بلا رحمة أو شفقة ، جعلتني إنسانة بدائية لا تفكر بشيء سوى إعداد الطعام وإنهاء الأعمال المنزلية، وإن لم أفعل شيئاً، كان الضرب وسيلة العقاب الوحيدة التي تُمارس على جسدي من قبل زوجي”.
وتتابع عائشة حديثها “قبل زواجي كنت أدرس علم اجتماع في الجامعة وحُرمت من إكمال دراستي بعد زواجي، وحُرمت أيضاً من زيارة عائلتي لي أو زيارتي لهم، ولكن وبسبب أفعال زوجي وعائلته وعدم قدرة عائلتي على وضع حد لتعاملهم معي، لم أستطع التحمل، وطلبت الطلاق منه وأبلغت عائلتي بقراري، والتي رفضته في البداية، ولكنني أصريت على قراري لأكثر من ثلاثة أشهر، حتى رضخت عائلتي لقراري وطُلقت من زوجي”.
وحول ارتفاع ممارسة العنف الأسري في المجتمع، قالت الناشطة النسوية هداية شمعون “إن العنف الأسري من أكثر القضايا تعقيداً في السياسة الحالية، وهنا نحن لا نفترض زيادة نسبة العنف، ولكنه تكشف أكثر لقضايا العنف ضد السيدات، ففي السنوات الخمس الماضية كان عام 2014 يشكل أعلى نسبة طلاق في فلسطين بسبب زيادة العنف الأسري”.
وتضيف شمعون “وهذه الحالة جاءت افرازات لحالة العجز السياسي الذى يعيشه الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، والتي أثرت سلبا على الحالة الاجتماعية، وأدت إلى انتشار العنف الأسري بشكل ملحوظ”.
عائشة التي كانت تعيش وحيدة في منزل زوجها أثر ذلك على نفسيتها سلباً، وتقول “أصبت بحالة اكتئاب وأنا في منزله حبيسة، كنت لا أرى أحداً ولا أخرج إلى أي مكان سوى برفقته أو برفقة والدته، عزلني عن العالم أجمع، وكان تفكيري ينحصر في الطبخ، والخدمة والضرب فقط”.
في بداية طلاقها عاملتها أسرتها بشكل سيء جداً وصل إلى حد الضرب والاهانة، وتقول “كانوا في بداية طلاقي لا يستوعبون الحالة النفسية والعصبية التي أعانيها، فكانوا يعاملونني بطريقة سيئة وصعبة، ولكن بعد ذلك تحسنت معاملتهم لي، وبدأت بالتركيز أكثر على دراستي والانتباه لمستقبلي، مع مواجهتي لنظرة المجتمع أنني مطلقة وصغيرة في السن، وكل شخص يتقدم لخطبتي ونخبره بأنني مطلقة يتراجع عن خطبتي”.
عائشة المطلقة الصغيرة مازال المجتمع ينظر لها على أنها ناقصة وفرص الزواج لديها ضئيلة، فهي إحدى الفتيات صغيرات السن التي لم يحالفهن الحظ بنجاح زواجهن الأول، واستطعن كسر حاجز صمتهن بسبب العنف التي تعرضن له، ونلن حريتهن، واستطاعت أن تستعيد حياتها وأن تبحث عن مستقبلها المشرق في التعليم وتطوير قدراتها العلمية والعملية.
** تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع “أوقفوا العنف ضد النساء” الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)