في ظل الحرب بغزة الوساطة القانونية تثمر في اعادة النفقة لأم مطلقة 

في ظل الحرب بغزة الوساطة القانونية تثمر في اعادة النفقة لأم مطلقة 

  هبة نعيم نبهان | غزة

من قلب المعاناة التي يعيشها قطاع غزة بفعل الحرب المدمّرة، برزت قصص نساء وجدن أنفسهن في مواجهة الحياة دون سند قانوني، وسط نظام قضائي منهار، ونزوح قاسٍ، وغياب الحقوق

 من بين هؤلاء النساء، كانت أم محمد التي تقطن في مدينة رفح ، وهي أم مطلقة لتسعة أبناء ، تواجه صعوبات مضاعفة في تحصيل حقوقها وحقوق أبنائها المدنية والشرعية والتي أبرزها نفقة الأطفال ، بحيث تكافح لتوفير أبسط مقومات الحياة لأطفالها في ظل النزوح والغلاء والحرب.

 

بعد طلاقها، حصلت أم محمد على حكم قضائي يُلزم زوجها السابق بدفع النفقة. ومع اندلاع الحرب وتعطّل عمل المحاكم، توقفت هذه المدفوعات. ورفض طليقها الاستمرار في الدفع، مستفيدًا من انهيار مؤسسات العدالة وغياب الرقابة، لتجد أم محمد نفسها في دوامة من العجز واليأس.

 

تقول أم محمد: “لم يكن هناك من يسمعني، كنت أعاني بصمت. فالمحاكم توقفت ولم يكن هناك أي جهة أستطيع اللجوء إليها لاستعادة حقوق أطفالي .”

 

في لحظة يأس، لجأت أم محمد إلى صديقتها  ، التي أرشدتها إلى الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون – وهي إحدى الجمعيات الشريكة في برنامج سواسية 3 , وتنفذ  من خلال مشروع العون القانوني للفئات الهشّة – ، حيث تعتمد الوساطة القانونية كوسيلة بديلة لحل النزاعات الأسرية، خصوصًا في ظل غياب القضاء الرسمي.

 

وفي اليوم التالي زارت أم محمد الجمعية والتقت بالوسيط القانوني لديها , وأخبرته بما حصل والذي بدوره تواصل مع الطرف الآخر وأقنعه بالحضور , وفعلاً تم عقد جلسات وساطة بإشراف الوسيط القانوني المحامي / محمود عفانة، الذي قاد العملية بحنكة ومهنية. وخلال فترة قصيرة، تم التوصل إلى اتفاق يُعيد التزام الزوج بدفع النفقة شهريًا بموجب سند قبض يستلمه يثبت من خلاله تلك الدفعات .

 

وفي ذات السياق، يوضح المحامي الشرعي / محمود فروخ الأصل الشرعي والقانوني للنفقة ،فالنفقة واجبة شرعًا على الأب لأولاده، وهي من الحقوق الأساسية التي أقرها الإسلام لحماية الأسرة وضمان كرامة المرأة والطفل.  

قال الله تعالى:  “وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ”[سورة البقرة: 233]

 

واكد فروخ أن النفقة حق شرعي وقانوني، وهي واردة في المواد ( 167-169) من قانون الأحوال الشخصية رقم 61 لسنة 1976 والتي تنص على :”تجب نفقة الصغير على أبيه إذا لم يكن له مال، وتستمر النفقة إلى أن يستطيع الكسب، إلا إذا كان طالب علم ، ولم يبلغ من العمر ما يمكنه من الكسب” وفيما يخص حق الإناث: ” تجب نفقة البنت على أبيها إلى أن تتزوج، أو حتى تعمل وتستطيع الكسب”. فالنفقة هي حق شرعي وقانوني يساهم في استقرار الأسرة ورفاه أفرادها، ويتعين على الاب دفعها لضمان حياة كريمة لأطفاله في جميع الظروف.

 

من جانبه، يؤكد رجل الإصلاح/  نعيم نبهان، أن الوساطة ليست أداة طارئة في المجتمع الفلسطيني، بل هي جزء أصيل من ثقافته، لطالما لعبت دورًا محوريًا في حل الخلافات الأسرية والمجتمعية منذ القدم، حتى قبل وجود المحاكم الرسمية.

 

وقال نبهان أن الوساطة كانت دائمًا وسيلتنا لحل النزاعات . كنا نرجع للكبار ووجهاء الإصلاح، ونحل الأمور بكلمة طيبة واتفاق. واليوم في ظل توقف القضاء بفعل الحرب، نعتمد نفس الأسس، لكن بشكل مؤسسي ومنظم.”

 

وأضاف نبهان حين تُمارَس الوساطة من طرف شخص نزيه وجدير بالثقة  ، فإنها تكون فعالة في تهدئة النزاعات، وهذا ما رأيناه في حالات عدة ، حيث تم حلها بشكل ودي وسريع، دون الحاجة إلى المحاكم.”

 

تؤكد أم محمد: “الوساطة أعادت لي الأمل، صار هناك دخل ثابت، وأطفالي يشعرون بالاستقرار. لم أكن أتوقع أن يحل الأمر دون محكمة وبسرعة ، لكن الوساطة القانونية أنقذتنا”.

 

رغم قساوة الحرب أثبتت قصة أم محمد أن الوساطة القانونية  أداة قوية لإعادة الحقوق حتى في ظل الفوضى القانونية. قصة أم محمد ليست مجرد حالة فردية، بل نموذج يُجسّد قدرة العدالة على الصمود، حين تتوفر الإرادة والدعم القانوني المناسب. تعزيز هذه الآليات يُعد ضرورة لضمان حقوق النساء والأطفال ، لأن الإنصاف لا يجب أن يكون ضحية للحرب.

 

وعرفت الأمم المتحدة (UN)الوساطة بأنها وسيلة سلمية لحل النزاعات يتم فيها تعيين طرف ثالث محايد يساعد الأطراف المتنازعة على التوصل إلى اتفاق طوعي بناءً على رغبتهم الحرة، دون فرض حل عليهم.”{ دليل الأمم المتحدة للوساطة، قسم الشؤون السياسية وبناء السلام، 2012.}

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى