حلم العالمية قتل .. (ياسمين) شهيدة
حلم العالمية قتل .. (ياسمين) شهيدة
غزة – نيللي المصري:
“كنت أشوف فيها بطلة وهي فعلًا بطلة، كانت تتمنى تنتهي الحرب وتحقق حلمها بالمشاركة في بطولة عالمية”.
بهذه العبارة، وصفت الشابة فلة دغمش (29 عامًا) شقيقتها الشهيدة ياسمين (27 عامًا) لاعبة كرة السلة من ذوات الإعاقة، التي استشهدت في قصفٍ إسرائيليٍ على منزلهم بمدينة غزة يوم 10 يوليو/تموز 2024م، ومعها والدها وشقيقتها، ليقضي على حياتها وحلمها بأن تصبح لاعبة ضمن منتخب فلسطين لذوات الإعاقة والمشاركة في بطولاتٍ عالمية.
وُلدت ياسمين بإعاقة حركية، سببها هشاشة العظام أو ما يعرف بـ”لين العظام”، وهو ما أدى لالتواء ساقيها، تقيدت قدرتها على مواصلة حياتها بشكل طبيعي بسبب ضعف مواءمة المرافق العامة لذوي وذوات الإعاقة في قطاع غزة، ومع ذلك التحقت بنادي فارسات فلسطين، ليكون لها فيه بصمة واضحة.
رغم ذلك، توضح فلّة أن ياسمين التزمت بالتدريبات مع فريق كرة السلة، وكانت محط إعجاب الجميع لإتقانها اللعبة وامتلاكها مهاراتٍ فنيةٍ عالية، خاصة مع صعوبة اللعبة التي تتطلب كرسي متحرّك خاص بها، وهي تستخدم كلتا يديها في اللعبة، إحداها لدفع عجلة الكرسي والثانية لتسديد كرة السلة في مكانها المخصص، وهو ما يتطلب مهارة عالية تدربت عليها ياسمين جيدًا.
تنظر فلة إلى صور تدريبات شقيقتها على هاتفها النقال، وتتنهد قائلة: “عانت ياسمين في طفولتها بسبب الإعاقة، في المرحلة الابتدائية التحقت بمدرسة شمس الأمل لذوي الإعاقة، ولم تكن تستطع المشي، فتكفل والدي بتوصيلها ذهابًا وإيابًا حملًا على أكتافه، لتعاني تحدياتٍ أخرى في المرحلة الإعدادية، بسبب رفض إحدى المدارس استقبالها كونها من ذوات الإعاقة، وانتقلت لمدرسةٍ أخرى مع تكليف سائقٍ بنقلها ذهابًا وإيابًا”.
كانت ياسمين متعددة المواهب، كما توضح فلّة، فبعد إنهائها للثانوية العامة، التحقت بمدرسة لتعليم تصميم الأزياء، وهي الموهبة التي كانت تعشقها، إلى جانب شغفها بالرياضة وكرة السلة والمشاركة في البطولات المحلية.
تضيف فلة: “كنت أستغرب قدرتها على التحكم بعجلة الكرسي والكرة معًا، كنت أمازحها كثيرًا وأدعمها في ذات الوقت، لم يكن انخراطها في العمل سهلًا، فقد عانت من نظرةٍ دونيةٍ ونمطيةٍ لذوات الإعاقة، أحيانًا تخشى الناس، لكنها حين كبرت أصبحت تخرج وتتأقلم”.
تعلّقت ياسمين بلعبة كرة السلة كثيرًا، وطلبت من شقيقها فوزي الذي استشهد معها أن ينشئ لها (Basketball ring)، سلة للعبة في البيت، وأصبحت تمارس التدريب داخل وخارج البيت، وكان هذا هو عالمها الجميل.
مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023م، وإجبار جيش الاحتلال الإسرائيلي للمدنيين من سكان شمال القطاع على النزوح للجنوب، كانت عائلة ياسمين ضمن من رفضوا النزوح، فأين سيذهبون بينما لا تستطيع ياسمين التحرّك بكرسيها في طرقٍ أصبحت شديدة الوعورة بسبب القصف والتدمير.
وتحظر اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، في مادتها (3) الاعتداء على السلامة البدنية للأشخاص المحميين، والتعرض لهم بالقتل والتشويه والتعذيب، كما تقضى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مادتها (17) إن لكل شخص من ذوي الإعاقة الحق في احترام سلامته الشخصية والعقلية على قدم المساواة مع الآخرين.
تضيف فلة: “لم تستطع ياسمين مواصلة اللعبة خلال الحرب بسبب القصف الشديد طوال الوقت، عادة كنا نتجمّع في مكان واحد، كي نكون معًا حال حدوث طارئ، لكن ياسمين حاولت استثمار وقتها بمواصلة عمل تصميم الأزياء الذي كانت تعشقه، وهي أيضًا لديها موهبة إعادة التدوير، فكانت جاهزة لإحياء أي شيء قديم، إلى جانب تصميم الدمى والعرائس، فاتخذت ركنًا في شقة أخيها لمواصلة مواهبها”.
تطرق برأسها وهي تحاول حبس دموعها: “كانت ياسمين تحلم بأن يكون لديها دار أزياء ذات يوم، وأن تنشئ بيتًا لتربية أيتام، وتمثيل فلسطين خارج قطاع غزة في كرة السلة لذوات الإعاقة، لكن صواريخ الموت التي باغتت بيتنا كانت أسرع”.
“بدهاش تخلص الحرب يابا”، كانت هذه آخر جملة نطقتها ياسمين قبل أن يباغتها صاروخ يقضي عليها، فقد كان لديها أمل بانتهاء حرب الإبادة، لكن ما هي إلا ساعات وقضت شهيدة بين عرائسها في ركنها ودُفنت الدمى معها، بينما بقيت زاوية كرة السلة وحيدة تبكي صاحبتها التي استشهدت واستشهد معها الحلم.