كوارث تفرزها الحرب على غزة
أمراضُ الجلد تُلهب أجساد أطفال القطاع والعلاج مفقود
دير البلح-خديجة مطر – مرّت ساعاتً الليلِ ثقيلة على الشابة إيمان أبو سعيد (35 عامًا)، وهي تمسك بقطعة بلاستيكية في محاولة لجلب الهواء لأجساد أطفالها الأربعة الذين أرهقهم الطفح الجلدي و(الحكّة) طيلة الوقت.
تنظر بحزنٍ إلى أجساد صغارها ليان وأحمد وعبد الرحمن وموسة، وهي تقول: هذا ما فعله بنا النزوح وحياة الخيام”.
تعيش إيمان مع عائلتها في خيمةٍ بمخيم للنازحين بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، منذ (9) شهور حين بدأ الاحتلال هجومًا على منطقة البريج وسط قطاع غزة، حيث كانت تسكن، وبسبب انعدام النظافة في المخيمات واختفاء المنظفات من السوق المحلي، أصيب صغارها بالطفح الجلدي، أسوة بالكثير من أطفال المخيم.
وكانت إسرائيل أعلنت الحرب على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023، وأجبرت نحو 1.9 مليون فلسطينية وفلسطيني على النزوح من أماكن سكنهم إلى مراكز إيواء ومخيمات تفتقر لأبسط الاحتياجات الإنسانية.
تقول إيمان: “أبنائي لا يستطيعون النوم لأنهم لا يتوقّفون عن حكّ أجسادهم، وإن توقّفت الحكة ترتفع درجة حرارتهم، (9) شهور وأنا أعيش في حرب النزوح وحرب الطفح الجلدي”.
تشرح: “في البداية ظهرت حبوب صغيرة على شكل فقاعات بجسد ليان (4 سنوات) ثم تزايدت حتى انتشرت في كل جسدها لتكون على شكل حروق، وانتقلت لإخوتها وأبيها”.
مؤخرًا، حصلت إيمان على مساعدةٍ مالية من أحد المبادرين لإطعام صغارها الذين يعانون سوء التغذية نتيجة الحرب، حاولت اقتطاع جزء من المبلغ لشراء منظفات فكان الأمر مستحيلًا بسبب ارتفاع أسعار مواد التنظيف، سواء الخاصة بغسيل الجسم والشعر أو الأواني والبيوت، صغار إيمان ليسوا الحالية الوحيدة، فأغلب أطفال المخيم يعانون ذات المشكلة.
بدوره يقول د.إياد أبو معيلق أخصائي الأطفال بمستشفى شهداء الأقصى إن أعداد الأطفال المصابين بالطفح الجلدي تضاعفت، وهو غريب الأطوار في الشهور الثلاث الأخيرة، واتضح إنه ذو منشأ بكتيري ناتج عن الازدحام والظروف المعيشية والبيئية غير الصحية وحالات النزوح وانعدام سبل النظافة.
يكمل: “يستقبل قسم الأطفال يوميًا ما معدّله 100 طفل مريض 30% منهم يعانون من أمراض جلدية متنوعة كالجرب والطفح الجلدي”، مؤكدًا صعوبة تطبيق النظافة الشخصية والعامة في الوقت الراهن بسبب قلة توفّر المياه، خاصة وأن أغلب الآبار منذ ما قبل الحرب تحتوي نسبة عالية من النترات، لكن الظروف الحالية أجبرت البلديات على إعادة تشغيل أي آبار متاحة نتيجة شحّ المياه”.
وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “أونروا”، أكدت أن العائلات في غزة تعيش في ظروف غير إنسانية، لافتة إلى أن الوصول إلى المياه والصرف الصحي محدود للغاية، مما يؤدي إلى زيادة الالتهابات الجلدية والأمراض.
ونوه أبو معيلق إلى أن الجرب انتشر أيضًا بكثرة بين النازحين، إذ يستقبل المستشفى يوميًا حالات تشتكي هذا المرض، وتظهر عليهم الأعراض بين ثنايا الجسم والأصابع وأسفل البطن مع حكة في الجسم تزداد ليلًا، فهي عدوى سريعة الانتشار، وأحيانًا يصاحبها ارتفاع في درجات الحرارة.
ويصعّب الوضع الاستثنائي في قطاع غزة التخفيف من الأزمة التي صاحبتها أمراض أخرى كأمراض الكبد الوبائي وفقدان الوزن وسوء التغذية، ويشير أبو معيلق إلا أن علاج هذه الأمراض يتم فقدانها أحيانًا من المستشفى ويتم توجيه المرضى إلى نقاط طبية أخرى، إذ هناك 13 صنفًا من الأدوية والكريمات اللازمة لعلاج الطفح الجلدي والجرب غير متوفرة لدى وزارة الصحة في القطاع كله.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية حتى يوم 30 يونيو 2024 إلى وجود ما يزيد عن 100 ألف حالة من الجرب والقمل والطفح الجلدي و11 ألف حالة من الطفح المائي في قطاع غزة.
ويخالف مع يتعرض له الأطفال في المخيمات بنود اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي تنص على ضرورة السماح بوصول الإرسالات الطبية إلى المدنيين، كما تنص المادة (56) على تطبيق تدابير وقائية لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة.
وقد خلّفت الحرب المستمرة على قطاع غزة أكثر من 40 ألف شهيدةً وشهيدًا ونزوح نحو 90% من سكان قطاع غزة وفق بيانات منظمة الصحة العالمية.
الطفلة ملاك أبو عكر (عامان) تعاني من طفح جلدي يغطي وجهها وجميع أنحاء جسدها منذ أربعة شهور، وتتواجد في مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة.
تقول والدتها سماح: “ظهر الطفح على جسد طفلتي دون معرفة الأسباب، كان على شكل فقاعات أشبه بالحروق تخرج من الدماء والصديد”.
حاولت سماح في البداية استخدام عدة أنواع من الأدوية والكريمات بوصفات طبية دون جدوى، وظلّت الطفلة تبكي طوال الليل ألمًا، ليقرر الأطباء في النهاية إبقائها في المستشفى، خفّت البقع وبقي شكلها الخارجي.
تكمل: “هناك تحسن على حالتها ولكن فترة مكوثي في المستشفى لشهرين جعلها تتلقى العلاج ثلاث مرات يوميًا، لكنه ثقيل عليّ كوني أم لثلاثة أطفال ونازحة بمفردي وسط القطاع”.
تعيش الشابة مع أطفالها في خيمة بأحد مخيمات الإيواء قرب البحر، وهو ما جعل حالة طفلتها صعبة، لكنها تجد صعوبة في الحفاظ على نظافتها في ظل شحّ المياه واضطرار الطفلة للاستحمام في مياه البحر.