اغلاق غزة وشُح الأدوية يفاقم معاناة مرضى الثلاسيميا .. ريما “أكبر عائق يواجه المريض هو أن يجد نفسه مرفوضا من طرف مجتمعه”
غزة – (CMC) – سعاد النواجحة
وجوهم شاحبة أجسادهم منهكة، نظراتهم يغلب عليها الحزن، هم الذين يعيشون معاناة مزدوجة، تتجلى في صعوبة تشخيص المرض والتكاليف المالية المرتفعة لتلقي العلاج مدى الحياة، وما يرافق ذلك من ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة من قبل المجتمع المحيط بهم.
“أكبر عائق يواجه المريض هو أن يجد نفسه مرفوضا من طرف مجتمعه” بهذه الكلمات تبدأ حديثها ريما مازن ابنة الثمانية وثلاثون عاما من قطاع غزة بعد أن أُجهشت بالبكاء، وفي قلبها آلاف الآهات والدموع الحبيسة.
تسرد ريما لمركز الاعلام المجتمعي معاناتها مع المرض قائلةً: “أيامٌ وأعوام منذ ولادتي وأنا أعاني من مرض الثلاسيميا (فقر دم حوض البحر الأبيض المتوسط)، يتطلب كل شهرين نقل دم عبر الوريد لإبقائي حية وبصحة جيدة وهذه العملية تستغرق من الوقت سبع أو ثماني ساعات…هذه حياتي منذ 38 عاما، ولكن ما يجهله الناس أنه ليس مرضا معديا .. هذا الوصمة التي يدمغ بها مجتمعي مرضى الثلاسيميا”.
تتنهد وتتابع ريما حديثها: “كنت في عمر 13 عاما انتشر في ذاك الحين مرض يسمى التهاب الكبد الوبائي ومن أعراضه اصفرار في العينين ونحن مرضى الثلاسيميا من علامات مرضنا الاصفرار في العينين مما جعل المُعلّمات وصديقاتي ينفرون مني ولا يتحدثون معي ولا يجلسون بقربي، ويطلبون مني عدم القدوم الى المدرسة رغم معرفتهم بمرضي، أذهب للمنزل أبكي طوال الوقت لماذا يعاملونني بهذه المعاملة السيئة؟؟ لماذا؟ ألأني مريضة تلاسيميا؟؟!!”.
وتقول أم ريما مازن: “لم تحظى ريما بمعاملة جيدة في تلك الفترة من الاخرين وفي المدرسة، فقرر والدها عدم ذهابها للمدرسة والجلوس بالمنزل وقال لي سأفتح لها مشروعا وسأسميه باسمها لتملئ فراغها، لافتةً أن صالون التجميل هو حلمها منذ الصغر، حيث عملت واجتهدت حتى وصلت لما تريده”.
مضاعفات المرض
لا تملك ريما من حطام الدنيا بعد وفاة والدها سوى صالون التجميل الذي أصبح مصدر رزق لها ولأسرتها، 25 عاما وهي تجد وتجتهد لتصنع لها اسماً وتحقق ما فقدته في الأعوام السابقة، ولكن المفاجأة تضاعف المرض لديها نتيجة رائحة صبغات الشعر مما تسبب إصابتها بارتفاع ضغط الشريان الرئوي وعدم قدرتها على المشي وبذل أي مجهود”.
ويَصِف علاء نعيم دكتور عيادة القلب والأوعية الدموية في جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية حالة ريما: “مرض الثلاسيميا هو مرض وراثي مزمن غير معدِ من أكثر الأمراض الوراثية انتشارًا، وينتقل هذا المرض من الآباء إلى الأبناء عبر الجينات، مشيراً أن حالة ريما بدأت تتراجع منذ ثلاث سنوات واكتشفنا أنها تعاني من ارتفاع شديد للشريان الرئوي وهذا يشكل خطر كبير على حياتها بالإضافة الى أنه يحدد حركتها كعدم المشي لمسافات حتى لو كانت قصيرة وتركيب الأكسجين لساعات طويلة ويعد هذا العلاج المؤقت لها”.
ويتابع د. علاء نعيم حديثه: “إن هذه المضاعفات ناتجة عن مرض التلاسيميا وترسب الحديد على عضلة القلب ويرجع ذلك لعدم تلقى علاج (الديس فرار) لها ولمرضى الثلاسيميا، مؤكداً على ضرورة تلقي هذا العلاج والا سوف يتضاعف عند المرضى الآخرون ويتسبب لهم بمشاكل مشابهة، حالة ريما ليست الوحيدة بل هناك حوالي أكثر من 300 حالة ثلاسيميا في قطاع غزة”.
ويضيف د. علاء: “نقدم الكثير من المناشدات ونقوم بالتحويلات الطبية الى الصيدليات الخارجية لتوفير العلاج ونقوم بالتواصل مع الأطباء لتوفير العلاجات المناسبة لمرضى الثلاسيميا ولا نجد الرد، حيث إن تفشي فيروس كورونا تسبب في تأخير وتقليص بعض العلاجات وعدم توفرها في القطاع، منوهاً أن حالة ريما صعبة جداً لا نستطيع أن نُسَفرها لوجود الفيروس وهذا قد يسبب لها الوفاة لعدم قدرتها على تحمله، نحن نأمل بتوفير العلاج لمساعدتها ومساعدة باقي المرضى”.
وتتفاقم الأمراض في قطاع غزة يوما بعد يوم مثلها مثل كافة الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية وغيرها من سياقات، ربما لا ندرك مدى خطورة هذا المرض بالتحديد، ولا ندرك مدى معاناة هؤلاء المرضى، قصة ريما معاناة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، بل هناك العديد من القصص المشابهة لحالتها في قطاع غزة، يجب أن نعلم جميعا أن تبرعنا بالدم، تلك العملية البسيطة التي تأخذ من وقتنا أقل من عشرين دقيقة، تسهم في علاجهم وتمسح الدمع من أعينهم وتعطيهم الأمل في الحياة.
ويذكر أن مركز الإعلام المجتمعي (CMC) هو مؤسسة أهلية تعمل في قطاع غزة ويسعى لتطوير دور الإعلام في تناوله للقضايا المجتمعية، وتعزيز قيم الديمقراطية والمساواة وثقافة حقوق الإنسان، مع التركيز على قضايا المرأة والشباب وتسليط الضوء عليها بشتى الوسائل الاعلامية وضمن النهج القائم على حقوق الإنسان.