(ياسمين) وجنينها نجوا من تحت الأنقاض لكن فريد استشهد
دير البلح- خديجة مطر، مركز التنمية والإعلام المجتمعي
تُمرر الجريحة ياسمين ثابت (37 عامًا) يدها اليمنى على منطقة الإصابة أعلى رأسِها وساقيها، تُغلقُ عيناها بشدّةٍ في محاولةٍ للتغلّب على الوجع، تئنُّ بصمتٍ بينما تكتم دموعًا تقتحم حدقات عيونها لدى حديثها عن طفلها الذي استشهد و10 آخرون من العائلة.
“وين ابني فريد، وين إمي، وين حماتي، سلفي، سلفتي، راحوا وتركوني”، بهذه الكلمات تصرخ ياسمين بينما تروي ما حدث معها بسبب القصف الإسرائيلي الذي يأتي ضمن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي اندلعت يوم 7 أكتوبر 2023، وما زالت مستمرة.
بعيونٍ دامعةٍ تروي ياسمين (أمٌ لخمسةِ أبناء وتحمل السادس في رحمها)، ما حدث لعائلتها يوم 19 فبراير 2024، حين استهدفت طائرة حربية إسرائيلية شقّتها في حي البشارة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، أدت لاستشهادِ حماتها (والدة زوجها) وإصابة كل من بالبيت من بينهم هي.
تقول ياسمين التي كانت في بداية الحَمْل دون أن تعلم: “كان ذلك الساعة 8 مساءً، نقلونا إلى مستشفى شهداء الأقصى، كنا جميعًا مصابون، لا أنسى ذلك اليوم، عالجونا ونحن مُلقون على الأرض على قطع من القماش (بطانيات)، بسبب كثرة الحالات”.
تسند ياسمين رأسها وهي تستعيد التفاصيل النزوح لعشرين يومٍ إلى بيت أهلها بعد تدمير منزلها، ثم العودة إلى شقّة شقيق زوجها قرب بيتها، حيث مكثت 7 أيام وبعدها، حلّت الفاجعة!
تكمل: “يوم 17 مارس 2024، استهدف صاروخٌ حربيٌ شقّة شقيق زوجي عادل الذي استشهد مع زوجته لبنى السلقاوي وأطفالهم محمد وأحمد وشهد، ونجت طفلتهم شروق، واستشهدت شقيقة زوجي رجاء وأطفالها الثلاثة عبد العزيز وطارق وسند، وعبد الله ابن سلفي الثاني”.
تجهش بالبكاء وهي تحكي: “ما بنام الليل، كل ليلة ببكي على ابني وأمي وحماتي، وسلفتي، كتير أوقات بردد، بدي إمي بدي ابني، بدي أرجع لحياتنا السابقة حتى بكل أوجاعها”.
كانت ياسمين تحكي وهي شاردةَ الذهن، وكأن المصائب المتفرقة تجعل الأيام مخيفة، فما حدث لم يكن كل ما حلّ بياسمين، بل هناك المزيد، فبعد أن استقر الحال بالعائلة بمنزل ذويها في حي السلام مجددًا، وتحديدًا يوم 15 يوليو، إذ بصاروخٍ حربيٍ يسقط بجوار البيت مصيبًا أنابيب غاز فاستشهد على الفور طفلها الأصغر فريد (عام ونصف) وأمها.
تكمل وقد عاودت البكاء: “أصيب أيضًا زوجي محمد بحروقٍ من الدرجة الثالثة، وأصبت أنا بالرأس وحروق في أغلب أجزاء جسدي، وطفلي كريم (12 عامًا) حروق درجة رابعة مع بتر في قدميه وهو الحالة الأخطر من بيننا، وطفلي سامر (17 عامًا حروق متفرقة، وساهر (14 عامًا) إصابة بالرأس، وأحمد (10 أعوام) حروق متفرقة، هول ما حدث جعلني في حالة صدمة دائمة، لا أدري ما يدور حولي”.
تشقُّ دموعها ابتسامة مصطنعة وهي تكمل: “نجاتي من الموت معجزة لي ولجنينٍ داخل أحشائي لم أكن أعلم عنه عند الاستهداف الأول، لكن نجاة الحمل من كل هذا بمثابة معجزة، رغم أنني لمرتين خرجت
من تحت الأنقاض”.
ويُعدُّ ما تعرّضت له عائلة ياسمين ثابت انتهاك من قبل الاحتلال الإسرائيلي لاتفاقية جنيف الرابعة التي ضمنت الحماية للمدنيين وممتلكاتهم وقت الحرب، كما يتنافى مع نصوص القانون الدولي وخاصة المادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على أن الحق في الحياة ملازم لكل إنسان، ولا يجوز حرمانه منه تعسفًا.
وتنوّه ياسمين إلى أنهم يتلقون الرعاية الطبية داخل المستشفى بصعوبة بسبب شحّ الإمكانيات، وتزايد أعداد الإصابات، وهي ما تزال تعيش حالة نفسية سيئة بعد تدمير بيتها وتحويله إلى كومةٍ من الحجارة، وإغلاق المعابر التي حالت دون حقها في تلقّي العلاج خارج قطاع غزة، خاصة بعدما سيطر الاحتلال على معبر رفح في مايو 2024م.
بحرقةٍ تختم ياسمين: “أنا غارقة في المأساة والفقد والبؤس، خسرت ابني وأمي وحماتي وكل شيء حتى بيتي الذي قضيت سنوات في تأسيسه، أملي الوحيد الآن هو فتح المعابر كي يتمكّن ابني كريم من تركيب طرفٍ صناعي”.