أمل ترفض “اصطياد” عريس
كتبت سهى الحمراوى
“لو أنك فالحة كان نفدتي من البيت” بهذه الكلمات القاسية، تعيّرها أمها التي تنكرت لكل معاني الأمومة والاخلاق، مشجعة أشقائها على ضربها واساءة معاملتها عقاباً لها كونها أنثى في عائلة من الذكور.
أما والدها، فلا يبالي لا بأمل ولا بغيرها، نائياً بنفسه عن كل من في المنزل.
كانت الضربة القاصمة بالنسبة الى أمل (29 عاماً)، التي نشأت وكبرت في أجواء من الظلم والتعدي على حقوقها، حينما رفضت أسرتها السماح لها الالتحاق بالجامعة لدرس التحاليل الطبية، التي حلمت بالتخصص فيها، على رغم حصولها على معدل 85 في المئة في الفرع العلمي من الثانوية العامة، بحجة الوضع الاقتصادي السيئ للعائلة، الذي لم يقف عائقاً أمام التحاق أشقائها بالجامعية.
صمتت أمل، وقبلت بالأمر الواقع، واحتملت بطش أشقائها بتحريض من والدتها، التي تحملها مسئولية تأخر زواجها.
وتتعرض أمل للضرب والاهانة والمنع من مغادرة المنزل، وحتى تحديد حصتها من الطعام، الذي تكد وتتعب من أجل تحضيره للعائلة كلها، كحالها مع كل شؤون منزل عائلة تتحمل وحدها عبئه.
وحاولت أمل الممنوعة من التعليم والعمل، أن تبحث لها عن مصدر دخل يؤمن مصروفاتها ولا يتطلب خروجها من المنزل، فبدأت في نسج الملابس الصوفية وبيعها عبر الجارات والقريبات المترددات على منزلهم، لكن حتى هذه الفسحة الضئيلة من الاستقلالية لم يتركها أشقاؤها لها، فبدأوا في السطو على ما تحققه من مال يسير، على رغم أنهم موظفون ولديهم أموالهم الخاصة.
ولم تقف والدتها، التي تحابي أولادها الذكور على حساب أمل عند هذا الحد، بل وصل بها الأمر الى تحريضها على ممارسة أساليب لا أخلاقية لاصطياد عريس لها، عبر توبيخها لعدم الحديث مع الشباب عبر الهاتف النقال، وشبكة الانترنت، حتى أنها لا تفتأ تعيّرها بعدم زواجها بأنها “مش فالحة”.
إلا ان أمل، التي تتمتع بكبرياء وأخلاق عالية، لم تكن تقبل أن تخضع لأي من أوامر والدتها، ورفضت الزواج من رجل متزوج، الوحيد الذي طرق بابهم، فكيف لها أن تسلك سلوكيات خاطئة.
ظلت أمل تتحمل ظلم والدتها وأشقائها، وسلبية والدها، محرومة من كلمة حنونة، أو حضن دافئ سنوات طوال، حتى أصيبت بحال من الاكتئاب الشديد دفعتها للتفكير في الانتحار، فحاولت التخلص من حياتها، لكن تأنيب ضميرها أوقفها.
لم تجد أمل من اسمها أي نصيب حتى سمعت إعلاناً عن الخط المجاني للنساء المعنفات يُبث عبر إحدى الاذاعات المحلية، فتحلت بالشجاعة وطلبت الرقم، لتتحدث عن مشكلتها وتجد بعضا من راحتها وسكينة نفسها لدى اختصاصية نفسية تواصلت معها، فأخذت بتشجيع منها تستيعد ثقتها بنفسها، وتدرك حقوقها وكيف تناضل من أجل نيلها.
بعد أسابيع قليلة، من التشجيع والدعم النفسي، طالبت أمل أهلها بحقها في استكمال تعليمها، وأمام جديتها واصرارها شعر أهلها بضعفهم أمامها ومنحوها مكانتها كإنسانة لها حق في العيش الكريم، فشرعت في استكمال تعليمها، وفي تحقيق استقلالها المالي والمعنوي عنهم.